إذا اعتذر إلى المساء إليه اعتذارا صحيحا سقط الذم الذي كان يستحقه من دون اعتبار الموافاة ، فكذلك التوبة.
واعلم أن من لزمته التوبة لا يخلو حاله من أحد أمرين :
إما أن يكون ذلك لأمر بينه وبين الله تعالى ، أو لأمر يتعلق بالآدميين ، فإن كان ذلك الشيء بينه وبين الله تعالى ، فإما أن يكون من باب الاعتقادات أو من باب الأفعال ، وأي ذلك كان فإن الذي يجب عليه أن يندم عليه لقبحه أو لكونه إخلالا بالواجب ، ويعزم على أن لا يعود إلى أمثاله في القبح أو في كونه إخلالا بالواجب. وعلى الجملة فإن المأخوذ عليه أن يبذل مجهوده في تلافي ما وقع منه حتى يصير نفسه في الحكم كأن لم يأت بشيء مما أتى به ، ولا أقدم على ما أقدم عليه.
وإن كانت التوبة تلزمه لأمر بينه وبين الآدميين فإن الواجب عليه الندم والعزم أن يتلافى ما وقع بجهده ، ثم إن تلافي ما وقع منه يختلف ، فإن كان الواقع منه القتل فتلافيه هو أن يسلم نفسه إلى ولي الدم إن طالبه بها ولم يعف عنه ، وإن كان الواقع منه الغصب فتلافيه هو أن يرد المغصوب بعينه إلى صاحبه إن كان العين باقيا ، وإن لم يكن فمثله إن كان من ذوات الأمثال ، وإلا فقيمته إن كان من ذوات القيم ، هذا إن كان صاحبه حيا ، فإن لم يكن فإلى ورثته ، فإن لم يكونوا فإلى الإمام ، فإن لم يكن فإلى الفقراء ، وصار سبيله سبيل العشور والزكوات.
وإن كان الذي وقع منه كلام يوحش الغير ، فلا يخلو ، إما أن يكون قد بلغ الذي قصده بذلك الكلام أو لم يبلغ ، فإن بلغه لزمه الاعتذار الصحيح بعد الندم والعزم ، وإن لم يبلغه كفاه الندم عليه والعزم ولا يجب أن يبلغه ذلك ويعلمه فإن ذلك ابتداء وحشة وهو في إزالتها ، ولتفصيل الكلام في ذلك مكان آخر أبسط منه وأطول.
فصل
مسائل متعلقة بالتوبة وغيرها :
وقد وصل بهذه الجملة مسائل تتعلق بعضها بالتوبة وبعضها بالوعيد وغيره.
من جملتها ، الصغائر هل تصير كبيرة بانضمام بعضها إلى بعض؟ والأصل فيه أنه لا يمتنع أن تصير كبيرة لأنه لا فرق بين أن يسرق عشرة دراهم من حرز دفعة واحدة ، وبين أن يسرق في دفعات إلى أن يتممه عشرة ، في أنه إذا ظفر به الإمام وعلم ذلك من