ومما يقوله أبو علي في هذا الباب أن الذي يذهبون إليه خرق الإجماع ، وذلك فمنه دعوى مجردة ، وكيف يمكن ادعاء الإجماع على ما يقوله مع أن أمير المؤمنين عليهالسلام يخالف فيه ، والقاسم بن إبراهيم وعلي موسى الرضى وواصل بن عطاء وجعفر بن مبشر وبشر بن المعتمر ، وهؤلاء كلهم من أجل الصحابة والتابعين وتابعي التابعين فكيف ينعقد الإجماع بدونهم؟ وعلى أن الأمة لا تجوز إجماعهم على ما تقرر خلافه في العقل ، وقد تقرر في العقل أنه ليس يصح أن يترك أحدنا بعض القبائح لقبحه ثم لا يترك البعض مع مساواتها في القبح.
ومن جملة ما يتعلق به أبو علي ، هو أن ما ذكرتموه من التوبة عن بعض القبائح لا يصح مع الإصرار على البعض ، فوجب أن لا تصح توبة اليهودي مع إصراره على غصب دانق ، فكان يجب أن يبقى يهوديا وأن تجري عليه أحكام اليهود ، ومعلوم خلاف ذلك.
وجوابنا ما تعني بهذا الكلام؟ فإن أردت به أن عقابه لا بد أن يكون عقاب اليهود ولم يسقط من عقوبته شيء فإن ذلك مجاب إليه ، لأنه لم يأت بما يسقط العقوبة عامة فبقيت عقوبته كما كانت ، وإن أردت به أنه كان يجب أن تجري عليه أحكام اليهود ولما كانت تجري عليه من قبل ، فإن ذلك مما لا يجب.
فإن قيل : كيف لا تجري عليه أحكام اليهود ومعلوم أنه يستحق من العقوبة ما يستحقه اليهود ، قلنا : إنه وإن استحق العقوبة على هذا الحد إلا أنه ليس يجب أن تجري عليه أحكام اليهود فإن أحدهما بمعزل عن الآخر وعلى هذا فإن المنافق يستحق من العقوبة ما يستحقه اليهودي ثم لا يجب أن تجري عليه أحكام اليهود ، ويؤكد ذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله تعالى وهذا يدل على ما قلناه من أن استحقاقه للعقوبة مما لا تعلق له بإقامة الحدود عليها أو أن لا تقام ، فهذه جملة ما يتعلق به أبو علي.
واعلم أن التوبة إذا حصلت بشرائطها كأن تكون ندما على القبيح وعزما على أن لا يعود إلى أمثاله في القبح ، لا يعتبر فيه الموافاة ، خلاف ما يقوله بشر بن المعتمر وأصحابه ، لأن التوبة بذلك الجهد في تلافي ما فرط منه حتى يصير به المرء في الحكم كأنه لم يفعل ما قد فعل ، وما هذا سبيله لا يعتبر في إسقاط العقوبة أن يوافي بها الآخرة. يبين ذلك ويوضحه ، أن نظير التوبة في الشاهد الاعتذار ، ومعلوم أن المسيء