نعلم حسن مدحه وذمه وأمره ونهيه.
قيل له : إنا نعلم حسن الأمر والنهي والمدح والذم على الجملة ضرورة ، وإن لم نعلم كونه محدثا على التفصيل ، فلا يكون الاستدلال بذلك عليه استدلالا بفرع الشيء على أصله ، كما أنا لما أمكننا أن نعلم كون الذات قادرا عالما وإن لم نعلم كونه حيا ، أمكننا الاستدلال بذلك على كونه حيا ، ولا نكون مستدلين بفرع الشيء على أصله ، وإن لم يكن الذات عالما وقادرا لم يكن حيا ، كذلك في مسألتنا.
ويلزم أيضا قبح مجاهدة أهل الروم وغيرهم من الكفار ، لأن للكفرة أن يقولوا لما ذا تجاهدونا؟ فإن كان جهادكم إيانا على ما لا يريده الله تعالى منا ولا يحبه فالجهاد لكم أولى وأوجب ، وإن كان الجهاد لنا على ما خلق فينا وجعلنا بحيث لا يمكننا مفارقته والانفكاك عنه فذلك جهاد لا معنى له ، ولو وجب هذا الجهاد والحال ما ذكرناه لكان إنما يجب لله.
طريقة أخرى في أن أفعال العباد غير مخلوقة فيهم :
طريقة أخرى في أن أفعال العباد غير مخلوقة فيهم وأنهم المحدثون لها.
وتحريرها هو أن هذه التصرفات يجب وقوعها بحسب قصودنا ودواعينا ويجب انتفاؤها بحسب كراهتنا وصارفنا مع سلامة الأحوال إما محققا وإما مقدرا ، فلو لا أنها محتاجة إلينا ومتعلقة بنا وإلا لما وجب ذلك فيها ، لأن هذه الطريقة تثبت احتياج الشيء إلى غيره ، كما لا يعلم احتياج المتحرك إلى الحركة ، والساكن إلى السكون ، وهي هذه الدلالة المعتمدة ، وما تقدم كان على طريق الإلزام.
وقولنا في هذه التصرفات أنه يجب وجودها بحسب قصدنا ودواعينا ، ويجب انتفاؤها عند كراهتنا وصارفنا ، فالمراد به طريقة الاستمرار ، لا ما نقوله في كون الجسم متحركا وأنه يجب عند وجود الحركة. وقولنا مع سلامة الأحوال ، فالمراد به خلوص الدواعي وزوال الموانع. وقولنا إما محققا ، فالمراد به فعل العالم لما يفعله ، فإنه يجب وجوده بحسب قصده وداعيه تحقيقا. وقولنا وإما مقدرا ، فالمراد به فعل الساهي ، فإن فعله وإن لم يقع بحسب قصده محققا ، فهو واقع بحسبه مقدرا ، فإنا لو قدرنا أن يكون له داع لكان لا يقع فعله إلا موقوفا عليه وبحسبه.
إذا ثبت هذا ، فالذي يدل على أن هذه التصرفات يجب وقوعها بحسب قصدنا