ومتى قيل : إن ذلك قبيح ، والله تعالى غير موصوف بالقدرة على التفرد بالقبيح ، قلنا : قد أجبنا عن هذا ، وبينا أن الله تعالى موصوف بالقدرة على ما لو فعله لكان قبيحا ، وذلك أنه لو لم يقدر على التفرد بذلك تقديرا ، فإنه يقدر على أن يجعله كسبا لبعض العباد ، فيلزم ما ذكرناه.
وكما أن هذا لازم لهم ، فكذلك يلزمهم أن لا يثبت لرسل الله تعالى حجة على الكفرة ، لأن للكافر أن يقول إن كنت رسولا فلا أقل من أن تكون رسالتك موافقة لمراد الرسل ، فكيف تدعونا إلى الإسلام ، ومن أرسلك إلينا أراد منا الكفر وخلقه فينا ، وجعلنا بحيث لا يمكننا الانفكاك عنه؟.
ويلزم انقطاع الرسل من وجه آخر ، وهو أن يقال لهم : إلى ما ذا تدعونا إليه؟ فإن كنتم تدعونا إلى ما خلقه الله تعالى فينا ، فإن ذلك مما لا فائدة فيه ، وإن كنتم تدعونا إلى ما لم يخلقه الله تعالى فينا ، فذلك مما لا نطيق ولا نتمكن منه.
ويلزمهم التسوية بين الرسول وبين إبليس ، لأن الرسول يدعوهم إلى خلاف ما أراده الله تعالى منهم ، كما أن إبليس يدعوهم إلى ذلك. بل يلزمهم أن يكون حال الرسول أسوأ من حال إبليس ، لأن إبليس إنما يدعوهم إلى خلافه ، وكل مذهب يقتضي ذلك ويؤدي إليه فكافيك به فسادا.
ويلزمهم أيضا قبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لأن الأمر لا يخلو :
إما أن يكون أمرا بالواقع ، وذلك قبيح ويجري في القبح مجرى أمر المرمي من شاهق بالنزول.
وإن كان أمرا بما لا يقع ، فإن المأمور غير قادر عليه عندهم لقولهم بالقدرة الموجبة ، فيكون الأمر به أمرا بما لا يطاق ، وتكليف ما لا يطاق قبيح.
وهكذا الكلام في النهي عن المنكر ، لأنه إن كان نهيا عن الواقع ، فإن ذلك قبيح ولا فائدة فيه ، وإن كان نهيا عما لم يقع ، فإن ذلك نهي عما لم يقدر عليه وذلك قبيح أيضا ، ويجري في القبيح مجرى نهي الزمن عن العدو.
فإن قيل : الاستدلال بحسن المدح والذم والأمر والنهي على أن محدثون لتصرفاتنا استدلال بفرع الشيء على أصله ، لأنا ما لم نعلم أن أحدنا محدث لتصرفه لم