وداعينا هو ، أن أحدنا إذا دعاه الداعي إلى القيام ، حصل منه القيام على طريقة واحدة ووتيرة مستمرة ، بحيث لا يختلف الحال فيه. وكذلك فلو دعاه الداعي إلى الأكل بأن يكون جائعا وبين يديه ما يشتهيه ، فإنه يقع منه الأكل على كل وجه ، ولا يختلف الحال في ذلك. وهذه أمارة كونه موقوفا على دواعينا ويقع بحسبها. وكما أنها تقع بحسب دواعينا وتقف عليها ، فقد تقف على قصودنا أيضا ، وعلى آلاتنا ، وعلى الأسباب الموجودة من قبلنا ، ألا ترى أن قوله : محمد رسول الله ، لا تنصرف إلى محمد بن عبد الله دون غيره من المحمدين ولا يكون خبرا عنه إلا بقصده ، وكذلك الكتابة لا تحصل منه إلا إذا علمها ، ولا يكفي ذلك حتى يكون مستكملا للآلات التي تحتاج الكتابة إليها نحو القلم وغيره ، وأيضا فإن الألم يقع بحسب الضرب الموجود من جهته ، يقل بقلته ويكثر بكثرته. فصح حاجة هذه التصرفات إلينا وتعلقها بنا على الحد الذي ادعيناه.
فإن قال : لا يمكن الاستدلال بهذه الطريقة على أن هذه التصرفات واقعة من جهتنا ، لأن فعل الملجأ يقع بحسب قصد الملجئ وداعيه ، ثم لا يدل عندكم على أنه فعله. وكذلك فسير الدابة في الجهة التي تسير فيها تابع لقصد الراكب وموقوف عليه. كذلك فنعيم أهل الجنة تابع لاختيارهم وموقوف على قصودهم. وأيضا فإن اللون الحادث عند الضرب موقوف على الضرب ، يقل بقلته ويكثر بكثرته. وهكذا ، فبياض القبيطي يقع بحسب الضرب من جهتنا. وسواد الحبر يقف على أحوال خليط الزاج بالعفص ، وأيضا فإن الحرارة الحادثة عند حك إحدى الراحتين بالأخرى موقوف على الحك ، يقل بقلته ويكثر بكثرته. ثم لم يدل شيء من ذلك على أنه واقع من جهتنا ومتعلق بنا ، كذلك في مسألتنا.
قيل له : أما فعل الملجأ ، فإنه يقع بحسب قصده وداعيه ، غير أن داعيه مطابق لداعي الملجئ فلا يصح ما ذكرتموه ، وكذا الكلام في الدابة ، ولهذا فلو قصد الراكب أن يسيرها في وجه الأسد لما سارت ، وإن كنتم تدعونا إلى ما خلقه الله تعالى فينا ، فإن ذلك مما لا فائدة فه ، فصح أن سيرها تابع لقصدها وداعيها ، دون قصد الراكب وداعيه. وأما نعيم أهل الجنة فمتعلق بالله تعالى وموقوف على قصده وداعيه دون قصودهم ودواعيهم ، لو لا ذلك وإلا كان يجب إذا دعى بعضهم الداعي إلى أن يبلغ ثوابه ثواب بعض الأنبياء أن يحصل ذلك ، ومعلوم خلافه. وأما ما ذكرته في اللون فمحال ، لأن ذلك اللون ليس بحادث ، وإنما هو لون الدم الذي كان فيه فانزعج