وقيل معناه : عوقب في الآخرة مرة تلو مرة ، وجاء في صيغة الماضي لتحقق وقوعه (ثُمَّ نَظَرَ) قلّب البصر في طلب ما يردّ به القرآن (ثُمَّ عَبَسَ) قطّب (وَبَسَرَ) كلح وجهه ونظر بكراهة (ثُمَّ أَدْبَرَ) عن التصديق والإيمان وولّى ظهره له (وَاسْتَكْبَرَ) تعجرف حين دعي إلى الاعتراف بالوحدانية والرسالة (فَقالَ إِنْ هذا) ما هذا القرآن (إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) أي انه سحر يروى لواحد عن واحد من السّحرة. وقيل : يؤثر من الإيثار ، أي يستحسن لحلاوته (إِنْ هذا) ما هذا الكلام الذي سمعته من القرآن (إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) قول الإنس وليس من عند الله تعالى ولو كان كذلك لأتى السحرة بمثله ، ولكنهم عجزوا وقصّروا هم وغيرهم .. ثم هدّده سبحانه على هذه البدعة التي افتراها على رسول الله (ص) فقال : (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) أي سأحرقه في نار جهنم التي لا يموت فيها ولا يحيا ، وألزمه بها فلا يغادرها. وقيل إن سقر دركة من دركات جهنّم وقد وصفها خالقها متعجبا : (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ) أي ما معرفتك أيها السامع بسقر ، وهل تبلغ معرفتها ونعتها في هولها وشدّة عذابها وضيقها وكثير من صفاتها؟ لا فإنها (لا تُبْقِي) لسكّانها لحما إلّا أكلته (وَلا تَذَرُ) لا تدع لهم خلقا حين يعادون كما كانوا بل تشوّهه وتحرقه حتى تذيقهم ألوان العذاب بما تذيب من شحمهم ولحمهم وبما تدقّ من عظامهم وبما تسيخ من ألبابهم ، لأنها (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) أي مغيرة لجلودهم تجعلها محروقة سوداء أشد سوادا من فحمة الليل ، قد جعلنا (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) ملكا من ملائكة العذاب هم خزنتها لهم أعين كالبرق الخاطف وأنياب كالصياصي يخرج اللهب من أفواههم إذا تكلّموا ، وهم ذوو خلقة عجيبة وصفوا بأن ما بين منكبي كلّ واحد منهم مسيرة سنة ، وان كفّ الواحد منهم تسع مثل قبيلتي ربيعة ومضر نزعت الرحمة من قلوبهم ، ويقبض الواحد منهم على السبعين ألفا فيرميهم حيث أراد من جهنم يدعّهم فيها دعا ، هذا عدا عن بقية الملائكة الموكّلين بالعذاب ، والذين لا يحصيهم إلّا خالقهم عزوجل. وقيل في تخصيص هذا العدد أقوال كثيرة لا مجال لذكرها ،