التعظيم لشأن يوم القيامة الذي افتتح هذه السورة المباركة بذكره. ثمّ زاد في التخويف منه بقوله تعالى : (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) وأنت لا تعلمها إذا لم ترها بعينك ولم تشاهد أهوالها ولو كنت تعلمها بالصفة التي وصفناها لك؟ ثم ضرب سبحانه مثلا عمّن كذّب بيوم القيامة وحاق به سوء تكذيبه فقال عزّ من قائل :
٤ إلى ٨ ـ (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ ...) أي كذّب هؤلاء القومان بيوم القيامة الذي كنّى سبحانه عنه بالقارعة لأنها صفة له هائلة جعلها بعد الكناية بالحاقّة ، فإنه يقرع الأسماع بما فيه من مخاوف بل يقرع جميع الحواس. ثم بيّن كيفية إهلاكهما فقال تعالى : (فَأَمَّا ثَمُودُ) الذين هم قوم صالح (فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) يعني أبيدوا ودمّروا بالصيحة الطاغية التي تجاوزت المقدار الذي يحتمله الإنسان ، وقيل هي الرجفة ، وقيل عنى طغيانهم وكفرهم (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) أي دمّروا بالريح الشديدة البرد التي عتت في شدة هبوبها وشدة بردها (سَخَّرَها عَلَيْهِمْ) أي سلّطها وأرسلها مسخّرة بأمره (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ) وهي الأيام التي تدعوها العرب : أيام العجوز لأنه قيل إن عجوزا منهم دخلت سربا تحت الأرض فلحقت بها الريح فقتلتها في اليوم الثامن من نزول العذاب ، وقيل دعيت كذلك لأنها تأتي في عجز الشتاء ، أي في آخره ، وقد أتت تلك الليالي والأيام (حُسُوماً) أي متتابعة ليس بينها فترة حتى استأصلتهم وحسمت وجودهم (فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى) أي مصروعين في تلك الأيام وقد وقعوا أرضا (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) أي كأنهم أصول نخل بالية قد نخرها القدم فهي جوفاء خاوية قد بلي لبّها (فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ) أي من نفس باقية ، أو من بقية من آثارهم.
٩ و ١٠ ـ (وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ ...) مرّ تفسيره سابقا ، أي وجاء بعدهم فرعون ومن سبقه بطغيانهم وكفرهم وعنادهم (وَالْمُؤْتَفِكاتُ) يعني وتبعهم أهل القرى المؤتفكات التي انقلبت بأهلها وصار عاليها سافلها وهي