بالهم قد انصرفوا عن القرآن الذي هو تذكرة وموعظة ولا شيء لهم في الآخرة إذا أعرضوا عنه في الدنيا. فلم ينفرون عنه ويفرون عن الدعوة إليه (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ) أي كأنهم حمر وحشيّة نافرة هربا (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) يعني هربت خوفا من الأسد ، وكذلك هؤلاء الكفار كانوا يفرّون من النبيّ صلىاللهعليهوآله كلمّا رأوه يقرأ القرآن على الناس ويعظهم وينذرهم ويحذّرهم ويبشّرهم ويلقي عليهم أوامر الله تعالى ونواهيه (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) أي يودّ كلّ واحد منهم أن تنزل عليه كتب من السماء باسمه تأمره بالإيمان بمحمد (ص) وبالبراءة من العقوبة ، وبالنّعمة والدعة وإلّا فإنهم يقيمون على الضلال ، وقيل : بل يريد كلّ واحد منهم أن يكون رسولا ، ولذلك قال سبحانه : (كَلَّا) أي ليس الأمر كما قالوا ولا كما أحبّوا (بَلْ) هم (لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) لتكذيبهم بحدوثها ولو آمنوا بها لآمنوا برسولنا وبدعوته (كَلَّا) هذه ليست ردعا بل معناها : حقّا (إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ) أي القرآن فإن فيه تذكيرا (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) أي فمن أراد اتّعظ به وتذكّر (وَما يَذْكُرُونَ) أي ما يتذكّرون (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) يريد. وهذا لمشيئة غير الأولى ، لأن الأولى مشيئة اختيار والثانية مشيئة إجبار ـ. والمعنى انّ هؤلاء المعاندين من الكفّار لا يذكرون إلا إذا أجبرهم الله تعالى على ذلك (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) أي أنه سبحانه هو الجدير بأن تتّقى محارمه ويخشى غضبه ، وهو الغفّار المتجاوز عن ذنوب المخطئين. وعن أنس قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله تلا هذه الآية فقال : قال الله سبحانه : أنا أهل أن أتّقى فلا يجعل معي إله ، فمن اتّقى أن يجعل معي إلها فأنا أهل أن أتّقى فلا يجعل معي إله ، فمن اتّقى أن يجعل معي إلها فأنا أهل أن أغفر له.
* * *