(مُعْتَدٍ مُرِيبٍ) شاكّ في الله وفي دينه ومتعدّ على حرماته جلّ وعلا. (الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) أي ارمياه في نار جهنم فإن النّار أشدّ عذابه أعاذنا الله تعالى منها فإنها من شدّة حرارتها صارت سودّة ومن هول أصواتها تتقطّع الأفئدة.
٢٧ ـ (قالَ قَرِينُهُ ...) قرينه هو شيطان لأن كلّ إنسان يولد يولد معه شيطان أو يوجد ويخلق بإذن من الله ويكون قرينه دائما وهو يوسوس له. فقال قرينه : (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) أي ما أنا الذي جعلته طاغيا باغيا متمرّدا على الدّين ومصرّا على الكفر ، ولكنه هو اختاره ، فإن إغواء الشيطان إنما يؤثّر في من كان مختل العقيدة والرّأي مائلا إلى الفجور كما قال (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ، فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) وقوله (فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) أي في ضلالة بعيدة عن الحق والحقيقة وعن الرّشاد والهداية. والرّشد خلاف الغيّ والضّلال.
٢٨ ـ (قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ ...) أي لا تتنازعوا أمامي في موقف الحساب فان ذلك غير مفيدة لأنّي أتممت الحجة عليكم برسلي وبما قرّرت في كتبهم وهم قرءوها عليكم وبلّغوها إليكم (وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) فما بقي لكم بعد من قول مسموع.
٢٩ ـ (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ ...) أي تبديل القول وخلفه لا يجوز عندنا سواء كان القول منّا أو منكم ، فنعمل على طبق جزائه سواء كان خيرا أو شرّا. وأمّا العفو عن بعض المذنبين لبعض الأسباب فليس من التبديل ، لأنه إنما يكون عمّى قضي بالعفو عنه لأنه لم يرتكب كبائر توجب النار ، فهو أيضا مما لا يبدّل القول فيه (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فاعذّب من ليس لي تعذيبه.
* * *