وقيل إنه خبر لمبتدأ محذوف بتقدير : الشّر أولى لك من الخير يا أبا جهل لشدة عنادك ، وفي المجمع أن رسول الله صلىاللهعليهوآله أخذ بيد أبي جهل وقال له : أولى ، لك فأولى ، ثم أولى لك فأولى. فقال أبو جهل : بأيّ شيء تهدّدني؟ لا تستطيع أنت ولا ربّك أن تفعلا بي شيئا ، وإني لأعزّ أهل هذا الوادي ، فأنزل الله تعالى ذمه كما قال رسوله (ص) وذلك بمعنى : الويل لك من الله وهو وعيد شديد ، وإن تكراره مرّتين للتأكيد من جهة ولبيان حرمانه من خير الدنيا والآخرة من جهة ثانية ، لأنه رأى أول الويلين يوم بدر حيث قتل وعاين عذاب الدنيا ، ويوم القيامة يعاين الويل الثاني بعذاب الآخرة (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ) يعني أيظن أبو جهل وكلّ إنسان (أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) أن يهمل؟ وهذا استفهام إنكاري يعني أنه لا ينبغي للإنسان أن يظنّ أنه مهمل في دنياه أو في آخرته (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) أي كان نطفة منيّ ثم تنقّل من حال إلى حال تدل كل حال منها على أنه له خالقا مدبّرا حكيما لم يهمله في طور من أطوار حياته ، بل شملته عنايته حتى بلغ مرتبة وهبه فيها عقلا وقدرة ، ثم كلّفه بما فيه صلاحه في الدارين ليختبره أيشكر أم يكفر (ثُمَّ كانَ عَلَقَةً) بعد أن كان نطفة من منيّ (فَخَلَقَ) منها سبحانه خلقا في الرحم (فَسَوَّى) هيئته وأعضاءه جميعا في بطن أمه ، وقدّر لكل جارحة عملها الخاصّ بها (فَجَعَلَ مِنْهُ) أي من ذلك الإنسان (الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) ليتزاوجا ولتتمّ سنة الحياة (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى؟) أي أليس فاعل ذلك كلّه مستطيعا لأن يعيد الموتى بعد فنائهم بعد أن كان خلقهم بهذه الكيفية العجيبة وأوجدهم من كتم العدم؟ وتتجلّى في هذه الآية الكريمة صحة القياس العقلي لأن الله تعالى قرّر النشأة الثانية بالنشأة الأولى واعتبرها بها ، وقد قال البراء بن عازب : لمّا نزلت هذه الآية : أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : سبحانك اللهم وبلى.
* * *