الكفرة الآثمين المعاندين لكلام الله ودعوة رسوله ، يؤثرون ملذّات الدنيا الزائلة ويرغبون في المنافع في دار الدنيا (وَيَذَرُونَ) يتركون (وَراءَهُمْ) يعني هنا أمامهم ، وقيل (وَراءَهُمْ) لأن يوم القيامة يأتي من بعدهم ، فهم يدعون (يَوْماً ثَقِيلاً) أي شديد العذاب عسير المآب لما يحمل لهم من أهوال وآلام (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) أي أوجدناهم وأحكمنا خلقهم. وقيل إن الأسر يعني المفاصل والأوصال والعروق التي ربطنا بعضها إلى بعض حتى يمكن العمل بها والانتفاع بواسطتها. وقيل : شددنا أسرهم يعني قوّيناهم ، وقيل أيضا أخذناهم بالأمر والنهي وجعلنا أمرهم بيدنا ومرجعهم إلينا كما يشد الأسير لكيلا يجد المهرب (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً) يعني إذا أردنا أهلكناهم وأتينا بغيرهم ، ولكننا نبقيهم حتى تتمّ عليهم الحجة ثم نأخذهم إلى عذاب لا ينقضي (إِنَّ هذِهِ) السورة أو المقالة (تَذْكِرَةٌ) عظة لمن شاء أن يتّعظ (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) أي من أراد سلك الطريق لما يرضي ربّه فعمل بطاعته وانتهى عن معصيته وسلك الصراط السويّ (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) أي وما تريدون اتّخاذ تلك الطريق اختيارا إلّا أن يجبركم الله تعالى عليها ويلجئكم إليها ، ولكن ـ حينئذ ـ لا ينفعكم ذلك إذ تكونوا مجبرين على العمل ، ولذا لم يشأ سبحانه هذه المشيئة القسرية التي لا ثواب لفاعلها ، وترك لكم الاختيار في الإيمان لتستحقوا الثواب. وقيل معناه أنكم لا تشاؤون شيئا من العمل بطاعة الله إلّا شاءه الله لكم وأراده ، وليس معناه أنه سبحانه يشاء كل ما يشاؤه العبد من المباحات والمعاصي وسائر الأعمال لأنه تعالى عن أن يريد القبيح وجلّ عن أن يشاء لعبده ما ليس في مصلحته (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) فسّرناه سابقا (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) أي تشملهم رحمته في الحياة ويدخلهم الجنة في الآخرة (وَالظَّالِمِينَ) من الكافرين والمشركين (أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) هيأه لهم مسبقا ، وهم ملاقوه.
* * *