الْوَرِيدِ) مثل في القرب غايته الإشعار بأنه غنيّ عن استحفاظ الملكين فإنهما أعلم منها ومطلع على ما يخفى عليهما لأنه أقرب إليه منهما.
١٧ و ١٨ ـ (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ ...) هما الملكان الحافظان يأخذان ما يتلفّظ به وقال تعالى (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) أي لا يتلقّى أحدهما عن الآخر بل كلاهما لا بدّ منهما ، كاتب للحسنات على يمينه ، وكاتب للسيّئات على يساره ، وصاحب الحسنات أمير على صاحب السّيئات ، وإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا ، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب اليسار رعه سبع ساعات لعلّه يندم فيستغفر ويتوب (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) أصل الرّقيب من الترقّب وهو الانتظار ، وعتيد هو الحاضر المهيّأ. والرقيب والعتيد هما ملكان الأوّل على يمين كلّ إنسان مكلّف سواء كان ذكرا أو أنثى ، والثاني على اليسار والأوّل مأمور من طرف الربّ عزوجل أن يكتب الحسنات والثاني يكتب السيّئات كما قلنا.
١٩ ـ (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ...) أي شدّته التي تغيّر وضع الإنسان وعقله بحيث لا يفهم شيئا كالسّكر من الشراب ، ولذا منع السكران من الصّلاة لأنه في تلك الحالة لا يعرف شيئا ولا يدري في أية حالة هو من أحواله. فالموت والسّكر إذا عرضا للإنسان واحد في عدم وعي الإنسان شيئا ، غاية الفرق أن الميت لا يتحرّك والسكران في بعض الأحيان له حركة كحركة المتقلّص لأنهما فاقدان للعقل والرّشد. والباء في قوله تعالى (بِالْحَقِ) إمّا للقسم والمراد من الحق هو الله تعالى ، وإمّا للتّأكيد ، أي مجيء سكرة الموت حقّ ثابت لا شبهة فيه والمورد يحتاج إلى التأكيد لاستبعادهم سكرات الموت وأهوال البرزخ. وسكرة الموت شدائده الّتي تذهب بالعقل (ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) أي تميل عنه يمنة ويسرة والمخاطب في الشريفة هو الإنسان الذي يخشى الموت ويتّقي سكراته. وحاصل معنى الشريفة أيها الإنسان إن الموت الذي يفرّ منه لا بد أنه