ذكرناه ، فإن من الممكن أن نقطع على استحقاقنا للعقوبة ولا يمكننا القطع على استحقاقنا للثواب وكوننا من أهل الجنة إلا سمعا. ولا خلاف في هذا وإنما الخلاف في علته ، فالذي قاله الشيخ أبو علي في علة ذلك : أن الطريق إلى ذلك ليس إلا علمه بأنه أدى ما وجب عليه ، ولا يعلم أنه أدى ما وجب عليه الآن إلا في الحالة الثانية ، وفي الحالة الثالثة لا يعلم أنه هل أدى ما وجب عليه في تلك الحالة إلا بعدها فلا ينتهي إلى حالة يعلم ذلك من نفسه ، فلهذا تعذر عليه العلم باستحقاقه للثواب وكونه من أهل الجنة. وأبو هاشم يقول : إن كانت هذه العلة علة صحيحة فكذلك ، وإلا فالحكم معلوم ولا أعلله ، ولا مانع يمنع من ذلك وسنرى هذا الكلام في غير هذا الموضع إن شاء الله.
ومن ذلك ، الكلام في أن الإيمان هل يزيد وينقص؟ وجملة ذلك أن المرجع بالإيمان إذا كان إلى أداء الطاعات الفرائض منها والنوافل وإلى اجتناب المقبحات فإن ذلك مما يدخله الزيادة والنقصان بلا إشكال ، والذي يدل على أن الإيمان يزيد وينقص قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) الآية ، وقوله تعالى : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) الآية ، وأيضا قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)) إلى قوله : (هُمْ فِيها خالِدُونَ) ووجه دلالته على ما ذكرناه واضح.
ويدل عليه أيضا قوله صلىاللهعليهوسلم : «الإيمان بضع وسبعون خصلة أعلاها كلمة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» ، وقوله صلىاللهعليهوسلم : «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم شهر رمضان وحج بيت الله» ومما يدل على ذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : «المسلم من سلم المسلمون من لسانه» وقوله : «المؤمن من أمن جاره بوائقه» وقوله : «لا إيمان لمن لا أمانة له». هذه كلها كما ترى تدلك على أن الإيمان ما ادعيناه ، وكما تدل على ذلك فإنها تدل على أنه يزيد وينقص.
ومن ذلك ، الكلام في أن أحدنا هل يجوز أن يقول أنا مؤمن إن شاء الله تعالى؟ والأصل فيه أنه يجوز ، بل لا يجوز خلافه ، وقد خالفنا في ذلك جماعة من الكرامية ، ونحن فقد ذكرنا ما في هذا اللفظ في باب الإرادة ، وبينا أن معناه قطع الكلام عن النفاذ ، وقد يرد ويراد به الشرط وذلك في نحو قول أحدنا : أنا أحج بيت الله إن شاء الله تعالى ، وأزور قبر الرسول إن شاء الله ، فإنه والحال هذه يعني به الشرط ويكون