ولو كان طريق الإمامة غير العقد والاختيار لأنكروا عليه ، بل كان لا يدخل علي بن أبي طالب تحت الشورى ، ويقول : إن الله قد نص عليّ في محكم كتابه وكذا الرسول ، فلم أدخل معكم في الشورى ، وهذا الأمر لا حق لغيري فيه؟.
وجوابنا ، أن هذا إنما يصح لو ثبت أن الصحابة كانوا بين مبايع ومتابع وساكت سكوتا يدل على الرضى ، وهذه صورة الإجماع ، ونحن لا نسلم ذلك ، فمعلوم أن عليا عليهالسلام لما امتنع عن البيعة هجموا على دار فاطمة ، وكذلك ، فإن عمارا ضرب وأن زبيرا كسر سيفه ، وسلمان استخف به ، فكيف يدعى الإجماع مع هذا كله ، وكيف يجعل سكوت من سكت دليلا على الرضى؟ وأما دخوله عليهالسلام في الشورى ، فلأنه كان صاحب الحق ، ولصاحب الحق أن يطلب حقه بما يمكنه ، فلا يصح ما ذكرتموه.
وقد اعترضت المعتزلة على الذي اخترناه من وجوه تقدم بعضها ولم يتقدم البعض.
فمما لم يتقدم قولهم : إنما قد فسرتم به الدعوة والخروج من حكم الإمامة ، فكيف يجعل طريقا إليها؟ قلنا : لا يمتنع ذلك ، فإن أحد الأمرين ينفصل عن الآخر.
ومن ذلك قولهم : إن الدعوة والخروج لو كان طريقا للإمامة ، لكان يجب إذا اتفق الدعوة من شخصين يصلح كل واحد منهما لذلك ، أن ينعقد أمرهما ويصيرا إمامين لحصول الدعوة والخروج ، وذلك لم يذكره أحد سوى ناصركم وأنتم فقد تأولتم كلامه كيلا يلحقه خرق الإجماع. وجوابنا ، إن ذلك قلما يتفق في وقت واحد ، ولو اتفق فالواجب أن ينظر فيمن سبقت دعوته ، فأيهما سبقت دعوته فهو الإمام. وإن اتفق منهما الدعوة في وقت واحد ، فإنه لا تنعقد إمامة واحد منهما ، وصار الحال في ذلك كالحال في ولي النكاح ، فكما أنه لا ينعقد النكاح ما لم يسبق أحد العقدين على الآخر ، كذلك هاهنا.
وعلى أن هذا لازم لهم في العقد والاختيار ، فيقال لهم : ما تقولون لو اتفق العقد والاختيار على شخصين يصلحان للإمامة ، وكل ما ذكروه من عذر هناك فهو عذر لنا هاهنا.
واعلم أن أبا علي وأبا هاشم لم يختلفا في أن الشخصين إذا عقد لهما فإن الإمام هو من عقد له أولا ، وإنما الخلاف فيما إذا اتفق العقد لهما دفعة واحدة. فعند أبي