انتدب لنصرة الإسلام ونابذ الظلمة وكان مستكملا لهذه الشرائط التي اعتبرناها ، فإنه يجب على الناس مبايعته والانقياد له ، وكذلك فقد اتفق أهل النبي صلىاللهعليهوسلم على أن طريق الإمامة إنما هو الدعوة والخروج على الحد الذي ذكرناه ، هذا إذا أردت ابتداء الدلالة على ذلك.
فأما إذا أردت هذه المقالات ، فإن الذي يشتبه الحال فيه ليس إلا مقالة المعتزلة ، وما عداها فظاهر السقوط.
وإذا أردت إفساد مقالتهم فلك فيه طريقان :
أحدهما : هو أن تطالبهم بتصحيح ذلك وتفسد عليهم ما يحتجون به.
والثاني : هو أن تبدأ بالدلالة على فساد مقالتهم.
أما الطريق الأول ، فهو أن نقول : ما دليلكم على أن العقد والاختيار طريق الإمامة؟ فإن قالوا : إن الإمامة عقد من العقود ، بل هي من أقلها رتبة وأعظمها منزلة فلا بد من عاقد يعقدها للمعقود له ، قلنا : هب أن الأمر على ما ذكرتموه فمن أين أن الإمامة عقد ، وأن العقد لا بد له من عاقد يعقده ، فمن أين أنه لا يجوز أن يكون العاقد نفس الإمام حتى يعقد لنفسه على الحد الذي نقوله ، وصار الحال فيه كالحال في النذور. وهكذا نتبع كلامهم ونفسد عليهم الوجوه التي يذكرونها في هذا الباب ، فهذه طريقة القول في ذلك.
وإذا أردت ابتداء الدلالة على فساد مذهبهم ، فالأصل فيه أن تقول :
لو كان الأصل في الإمامة إنما هو العقد والاختيار لكان لا بد من أن يكون إليه طريق ، والطريق إليه إما العقل أو الشرع ، والعقل مما لا يجوز أن يكون طريقا إليه لأن الإمامة حكم شرعي فيجب أن يكون الطريق إليه أيضا شرعيا ، وإذا كان الطريق إليه الشرع ، فإما أن يكون الكتاب أو السنة أو الإجماع ، وشيء من ذلك غير ثابت هناك.
قالوا : إن الاجماع حاصل على ذلك ، فمعلوم أن نفرا من الصحابة حضروا السقيفة وعقدوا لأبي بكر الإمامة ولم ينكر عليهم أحد ، ولم يقل أن العقد ليس بطريق إلى الإمامة ، وفي ذلك ما نقوله ، يبين ذلك ويوضحه ، أن الصحابة يومئذ كانوا بين مبايع عاقد ، وبين متابع ، وبين ساكت سكوتا يدل على الرضى ، وهذه صورة الإجماع.
وربما يؤكدون ذلك ، بأن عمر جعل الأمر شورى بين ستة ولم ينكر عليه أحد ،