بالتوبة والإنابة.
ومتى قيل : فما تلك العمومات؟ قلنا : قد احتججنا بها في المسألة ، نحو قوله : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) ونحو قوله : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) ونحو قوله : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٨١)) ونحو قوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣)) الآية ، إلى غير ذلك مما يكثر عدّه.
ونعود بعد هذه الجملة إلى تفصيل الكلام عليهم في التعلق بهذه الآية ، فنقول : إن ما ذكرتموه أولا ، أن التفضل إذا كان مضمرا في الجملة الأولى يجب أن يكون مضمرا في الجملة الثانية دعوى ، فما دليلكم عليها؟
فإن قالوا : لا إشكال في ذلك ، فمعلوم أن القائل إذا قال لا آكل الفاكهة على الشبع وآكل الحلوى ، كان مراده وآكل الحلوى على الشبع ، وكذلك هاهنا.
قلنا : إن هذا ليس بوزان ، مسألتنا ، فإن الشبع مذكور في الجملة الأولى مظهر فيها ، فلا يمتنع أن يكون مضمرا في الجملة الثانية ، وليس كذلك ما نحن فيه ، فإن التفضل غير مذكور في الجملة الأولى ولا مظهر فيها حتى يجب أن يكون مضمرا في الجملة الثانية ، بل إنما أثبتناه في الجملة الأولى لدلالة دلت عليه ، وحجة قامت به ، ووجه اقتضاه ، ولم يثبت مثل تلك الأدلة فيما دون الشرك ، فبطل احتجاجهم من هذا الوجه. وبعد ، فليس يجب إذا كان الشيء مظهرا في الجملة الأولى من الكلام أن يكون مضمرا في الجملة الثانية لا محالة ، فإن قائلا لو قال : لا أعطي أهل الريّ شيئا وأعطي العلماء ، لم يقتض قوله هذا كون العلماء من الريّ ، بل يجوز أن يكونوا من البصرة أو غيرها من البلدان ، كذلك هاهنا. وبهذه الجملة أجبنا الحنفية عن قولهم : إن قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «ألا لا يقتل مؤمن بكافر» يجب أن يكون محمولا على الحربي لأنه قال بعد ذلك : «ولا ذو عهد في عهده» ، فيكون المراد به ولا ذو عهد في عهده بكافر ، لأن الكافر إذا كان مذكورا في الجملة الأولى فلا بد من أن يكون مضمرا في الجملة الثانية لا محالة ، ولن يكون كذلك إلا والمراد بالكافر المذكور في الخبر الحربي ، فالمعلوم أن الذمي يقتل بالذمي وإنما الذي لا يقتل بالذمي هو الحربي.
وقلنا : إن قوله ألا لا يقتل مؤمن بكافر ، كلام مستقل بنفسه ، وليس يجب إذا كان فيه ذكر الكافر أن يكون ذلك مضمرا في الجملة التي تليه لا محالة.