إذا شاب الغراب أتيت أهلي |
|
وصار القار كاللبن الحليب |
وقال أيضا :
إلى أن يئوب الفارطان كلاها |
|
وينشر في القتلى كليب بن وائل |
وقد قال شيخنا أبو علي : إن المراد بالسماوات والأرض المذكورة سماوات الآخرة وأرضها وذلك مما يدوم ولا ينقطع ، ولا معنى لاستبعاد هذا الكلام ، فليست السماء بأكثر مما علاك فأظلك ، ولا الأرض إلا ما هو تحتك فأقلك ففسد تعلقهم بالآية والحال ما قلناه.
ومتى سألوا عن الاستثناء وما وجهه وكيف علق بالمشيئة قيل في الجواب : المراد به القدر الذي يحاسبون فيه ، ويقفون للحساب ، فهذا ظاهر ، فهذه جملة الكلام في الجواب عن هذه الآية.
ومن قوى ما يعتمده المرجئة :
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] وتعلقهم بهذه الآية من وجوه :
أحدها : أنه لا بد من أن يكون التفضل مضمرا في قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) وإلا فمتى تاب الكافر وأسلم وندم على ما كان عليه من الكفر فإنه يجب غفرانه لا محالة ، وإذا ثبت أن التفضل مضمر في هذه الجملة فكذلك في الجملة الثانية أيضا ، لتطابق النفي الإثبات ، ليوافق آخر الكلام أوله ، فيقضي ظاهر الآية أنه تعالى لا يغفر الشرك ويغفر ما دونه تفضلا. والذي يصح غفرانه تفضلا مما دون الشرك ليس إلا الكبيرة ، فإن الصغيرة تقع مغفورة لا محالة وفي ذلك ما أوردناه ، فهذا وجه.
والثاني : هو أنه تعالى علق غفران ما دون الشرك بالمشيئة ، فقال : ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء والمشيئة لا تدخل في غفران الصغائر فإنها مكفرة في جنب ما لصاحبها من الثواب ، فلا بد من أن يكون المراد به الكبائر دون ما عداها من الصغائر ، يزيد ذلك وضوحا ، أنه لا يقال يثيب الله تعالى الملائكة والأنبياء إن شاء ، كما يقال يرزق فلانا مالا وولدا إن شاء ، لا ذلك إلا لأن ما يجب فإنه لا مجال للمشيئة فيه ، إذا ثبت هذا ومعلوم أن الصغيرة واجب غفرانها فالكبيرة تدخل تحت هذه الآية ، وكذلك التائب لا يجوز أن يكون مرادا بالآية فإن غفرانه أيضا مما يجب ، فليس إلا أن يحمل على الكبيرة على الحد الذي نقوله.