فإن قيل : كيف يصح قولكم : إن الذم يستحق على طريق الدوام ، وقياسكم العقاب عليه ، ومعلوم أن المسيء والمساء إليه لو ماتا لسقط الذم ، قيل له : إن سقط بموتهما شيء فإنما يسقط فعل الذم لا الاستحقاق ، وكلامنا في الاستحقاق ، ولا حال ينتهي إليه المسيء إلا ويحسن من المساء إليه ذمه وإن أماتهما الله تعالى مرارا وأحياهما مرارا. وبعد ، فلو لم يستحق العقاب على طريقة الدوام ، لكان لا يفترق الحال في ذلك بين الكافر والفاسق ، فكان لا يحسن من الله تعالى معاقبة الكفار على التأبيد ، وفي علمنا يحسن ذلك منه ، دليل على أن العقاب يستحق منه على طريقة الدوام سواء أكان الكلام في الكافر ، أو الفاسق.
فإن قيل : إن بينهما فرقا ، لأن طاعة الفاسق ترد عقاب معاصيه من الدوام إلى الانقطاع ، وهذا غير ثابت في حق الكافر. قيل له : هذا لا يصح لأنه لا تأثير لطاعات الفاسق في رد العقوبة من الدوام إلى الانقطاع ، ولو لا ذلك وإلا كان يجب أن تنقطع عقوبة الكافر أيضا ، لأن في أفعاله أيضا ما هو طاعة فإن قيل : إن هذا ينبني على أن للكافر طاعة ، ونحن لا نسلم ذلك.
قلنا : إن الطاعة ليست أكثر من أن يفعل ما أراده الله تعالى ، وفي أفعاله ما قد يريده الله تعالى ، نحو رد الوديعة وشكر النعمة وبر الوالدين إلى غير ذلك ، فكان يجب أن يرد عقاب معاصيه من الدوام إلى الانقطاع ، كما في طاعات الفاسق ، وقد عرف خلافه.
فإن قيل : إن الشرط في الطاعة أن يعلم المطيع المطاع ، وليس كذلك حال الكافر.
قلنا : إن في الكفرة من يعرف الله تعالى ويقر به ، نحو اليهود والنصارى ، فكان يجب أن ينقطع عقابهم ، ومعلوم خلاف ذلك.
وبعد ، فقد يقال في الملحد أنه مطيع الشيطان بارتكابه الكبيرة وإقدامه على الفواحش وإن لم يعلمه ولا اعترف به.
وبعد ، فلو ردّت طاعات الفاسق عقاب معاصيه من الدوام إلى الانقطاع لوجب أن تردّ ذمه من الدوام إلى الانقطاع ، وفي علمنا بأنه يستحق الذم دائما وأنه لا تأثير لطاعاته في الذم البتة ، دليل على أن مقارنة الطاعة للمعصية مما لا يرد عقابها من الدوام إلى الانقطاع على ما قاله الخالدي.