أحدهما أقرب والآخر أبعد ، فإن الواجب حمله على المجاز الأقرب دون الأبعد ، لأن المجاز الأبعد مع الأقرب كالمجاز مع الحقيقة ، وكما لا يجوز في خطاب الله تعالى أن يحمل على المجاز مع إمكان حمله على الحقيقة ، فكذلك لا يحمل على المجاز الأبعد وهناك ما هو أقرب منه ، وعلى هذا فلو قال الله تعالى ، أو قال رسوله عليهالسلام : فلان يصلي ، فلا يمكن حمله على الصلاة الشرعية في الحال ، ولن يحمل على أنه يصلي غدا أو بعد غد ، فإنه يحمل عليه ولا يحمل على الدعاء ، لما كان في حمله على الدعاء حملا للكلام على المجاز الأبعد مع إمكان حمله على المجاز الأقرب ، وذلك في الفساد بمنزلة حمل الخطاب على المجاز مع إمكان حمله على الحقيقة.
إذا ثبت هذا ، وأمكن أن يحمل قوله : (فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) على أنه سيجازى في الآخرة ، لا وجه لحمله على الاستحقاق ، وإلا اقتضى أن يكون قد عدل بكلام الله تعالى عن الحقيقة إلى المجاز ، وذلك مما لا يسوغ أصلا.
ومن جملة ما يمكن الاستدلال به أيضا ، قوله : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (٧٤)) ووجه الاستدلال به ، هو أن المجرم اسم يتناول الكافر والفاسق جميعا ، فيجب أن يكونا مرادين بالآية ، معنيين بالنار ، لأنه تعالى لو أراد أحدهما دون الآخر لبينه ، فلما لم يبينه دل على أنه أرادهما جميعا.
والكلام في أن اسم المجرم يتناول الكافر والفاسق جميعا ظاهر لا شك فيه من جهة اللغة والشرع جميعا.
أما من جهة اللغة ، فلأنهم لا يفرقون بين قولهم مذنب وبين قولهم مجرم ، فكما أن المذنب شامل لهما جميعا فكذلك المجرم.
وأما من جهة الشرع ، فلأن أهل الشرع لا يفرقون بين قولهم مجرم لزناه ، وبين قولهم فاسق لزناه.
فإن قالوا : الآية وردت في شأن الكفار ، وعلى هذا قال تعالى في آخرها : (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥)) [الزخرف : ٧٥] وقال بعد ذلك : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) [الزخرف : ٨٠] وهذا لا يتأتى إلا في الكفرة.
قيل لهم : إن قوله تعالى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (٧٤)) [الزخرف : ٧٤] كلام عام مستقل بنفسه ، فدخول التخصيص في آخره لا يمنع من عموم أوله ، وأوردنا