قيل له : إن قوله : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) كلام مستقل بنفسه غير محتاج إلى ما بعده ، فتخصيص ما بعده لا يمنع من عمومه ، والكلام في أن تخصيص آخر الآية لا يمنع من أن عموم أولها موضوعه أصول الفقه ، غير أنا نذكر له مثالا وهو قوله : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨] وأورد ذلك على وجه شمل البوائن والرجعيات ثم خص آخر الآية بالرجعيات منهن دون البوائن بقوله : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ) ، ولا يمنع منه مانع فكذلك الحال في ما قلناه.
ومن ذلك ، قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) [النساء : ٩٣] الآية. ووجه الاستدلال هو أنه تعالى بيّن أن من قتل مؤمنا عمدا جازاه وعاقبه وغضب عليه ولعنه ، وفي ذلك ما قلناه.
فإن قيل : ليس في الآية إلا الجزاء وهو الاستحقاق ، لأن تقدير الآية : فجزاؤه إن جازاه جهنم ، ونحن لا ننكر الاستحقاق ولا نأباه ، وإنما كلامنا في هل يفعل به ما يستحقه أم لا ، فما دليلكم على محل النزاع؟
قيل له : قولكم إن تقدير الآية (فجزاؤه) إن جازاه تقدير شرط لم ينب عن الظاهر ولا دل عليه دليل ، فكيف يجوز في هذا الشرط أن يكون معتبرا ، ومعلوم أنه لو كان له اعتبار لبينه الله تعالى واعتبره ، فلما لم يعتبره ولا دل عليه علم أنه لا عبرة به.
وبعد ، فإن الجزاء مصدر جزى أو جازى والمصدر لا بد من أن يكون أمرا حادثا أو فعلا قد وقع ، وليس هذه حال الاستحقاق ، فكيف يحمل على قوله : (وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ) ، فحمل الجزاء على الاستحقاق يقتضي أن يكون الفعل معطوفا على الاسم ، والفعل لا يعطف على الاسم وإنما يعطف على الفعل ، أو ما يجري مجرى الفعل ، وذلك لا يقال ، زيد وفعل ، وعمرو ويفعل. فيجب أن يكون تقدير الآية : ومن يقتل مؤمنا متعمدا ، جوزي به ، وغضب الله عليه ، ولعنه ، وفي ذلك صحة ما ادعيناه.
فإن قيل : لا يمكنكم حمل الآية على حقيقتها ولا التعلق بظاهرها ، وإلا كان يجب أن تكون المجازاة عقيب القتل ، فإن الفاء للتعقيب ، وإذا لم يمكن حمله على حقيقته ولا التعلق بظاهره فلستم بأن تحملوه على بعض المجازات أولى من أن نحمله على البعض ، فحملناه على الاستحقاق.
قيل له : إن الكلام متى لم يمكن حمله على ظاهره وحقيقته ، وهناك مجازان