لما لم يتناول الحمار والفرس تناوله العقلاء لم يصح البتة أن يجاب بذكره ، وذلك واضح.
ومما يوضح هذه الجملة ، أن السائل لما لم يدر من عنده ، وجوز أن يكون واحدا أو جماعة ، احتاج إلى أن يورد لفظة شاملة للآحاد والجموع ، فقال : من عندك ، ثم المجيب يجيب بذكر الحاضرين عنده ، فإن كان الحاضر عنده واحدا أجاب بذكره ، وإن كان من الحاضرين كثرة أجاب بذكرهم ، ففسد ما ظنوه ، وهو قولهم : كان ينبغي أن لا يصح الجواب إلا بذكر الجماعة ، كما في قوله : أكل الناس عندك ، فلا ذلك إلا أن قوله أكل الناس عندك لم يتناول إلا الكل فقط دون كل واحد منهم ، فلذلك لم يجز أن يجيب بذكر واحد منهم ، بل وجب أن يجيب إما بذكر الكل فيقول : نعم كل الناس عندي ، أو لا يجيب بذكر واحد منهم ، ويقول : ليس كل الناس عندي ، فأما أن يجيب بذكر بعضهم دون الباقين فلا. وليس كذلك هاهنا ، فإن قولنا : من عندك ، شمل الكل وكل واحد منهم ، فصلح بالجواب أن يذكر الآحاد كما يصلح أن يذكر الجميع ، فهذا هو الفرق بينهما والله أعلم.
فإن قيل : وأي فائدة في التطويل ولا صورة لما ذكرتموه في كلام الله تعالى بل لا يجوز ذلك عليه لأنه استفهام ، والاستفهام هو الاستعلام ، والاستعلام على العالم لذاته محال.
قلنا : هب أن الأمر في ذلك على ما ذكرته ، أليس يوجد ذلك في كلام الرسول عليهالسلام وفي كلام الأمة على أن غرضنا لم يكن بإيراد ما أوردناه إلا بيان أن في اللغة صيغة موضوعة للعموم والاستغراق ، وذلك قد سلم وصح. وأيضا فإن العموم معنى قد عقلوه ومست حاجتهم إلى العبارة عنه ، كما مست الحاجة إلى العبارة عن المعاني التي عقلوها ، من نحو الأسد والسيف والخمر ، فيجب كما وضعوا لكل واحد من هذه الأشياء اسما مع اكتفائهم بالاسم الواحد أن يضعوا للعموم أيضا لفظا ، وفي ذلك ما يدلنا على أن في اللغة لفظة موضوعة للعموم ، وهذه طريقة ذكرها شيخنا أبو عبد الله رحمهالله تعالى.
وإذ مضى طرف من الكلام في أن في اللفظ لفظة موضوعة للعموم ، فإنا نعود إلى الاستدلال بعمومات الوعد على أن الفاسق يفعل به ما يستحقه من العقوبة لا محالة ، بتوفيق الله تعالى.