والوجه فيه كالوجه في الثواب ، لأن نظير الندم في الشاهد الاعتذار.
ومعلوم أن أحدنا إذا أساء إلى غيره ثم اعتذر إليه اعتذارا صحيحا ، فإنه يسقط ما كان يستحقه من الذم حتى لا يحسن من المساء إليه أن يذمه بعد ذلك ، فكذلك الحال في التوبة مع العقاب ، هذا في الندم ..
وأما الطاعة التي هي أعظم منه ، فإنما تؤثر في إسقاط العقوبة المستحقة ،
لأن الحال في ذلك كالحال في من أساء إلى غيره بأن كسر له رأس قلم ، ثم أعطاه في مقابلته من الأموال السنية ما لا تسمح نفس بها ، ولا ترخص في بذلها ، فإنه والحال هذه لا يستحق من قبله الذم على تلك الإساءة الكبيرة لمكان هذه العطية الجزيلة فكذلك في مسألتنا هذه. فهذان وجهان يؤثران في إسقاط العقاب كما في الثواب ، غير أن كثرة الطاعة إنما تؤثر في سقوط ما يستحق من العقوبة إذا كان الكلام في الصغائر ، فأما الكبائر فإن عقابها لا يزول بكثرة الطاعات المفعولة في مثل هذه الأعمال على ما سيجيء من بعد إن شاء الله تعالى.
وهاهنا وجه آخر يؤثر في سقوط العقاب المستحق من جهة الله تعالى ، وهو إسقاط الله تعالى وعفوه عن المعاصي وهذا الوجه لا يثبت في الثواب على ما مر.
فإن قيل : أو يحسن من الله تعالى أن يسقط ما يستحقه الكافر والفاسق من العقوبة ، أم كيف القول فيه ، قلنا : قد اختلف العلماء في ذلك.
فمن مذهبنا ، أنه يحسن من الله تعالى أن يعفو عن العصاة وأن لا يعاقبهم ، غير أنه أخبرنا أنه يفعل بهم ما يستحقونه ، وقال البغداديون : إن ذلك لا يحسن من الله تعالى إسقاطه ، بل يجب عليه أن يعاقب المستحق للعقوبة لا محالة على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
فصل
اعلم أن البغدادية من أصحابنا ، أوجبت على الله تعالى أن يفعل بالعصاة ما يستحقونه لا محالة ، وقالت : لا يجوز أن يعفو عنهم ، فصار العقاب عندهم أعلى حالا في الوجوب من الثواب ، فإن الثواب عندهم لا يجب إلا من حيث الجود ، وليس هذا قولهم في العقاب ، فإنه يجب فعله بكل حال.
والذي يدل على فساد مذهبهم هذا وصحة ما أخذناه ، هو أن العقاب حق الله