الحال هاهنا ، على أن من الجائز أن ينقطع عنه ما يستحقه من الأعواض ويتفضل الله تعالى بمقدار ما كان يصل إليه من العوض حتى لا يتنغص عليه عيشه ، ولا تؤثر في حاله ، وليس ذلك من دوام العوض.
ومما يذكرونه في ذلك ، هو أنه لو لم يكن العوض دائما لكان لا يجوز أن يؤخره إلى الآخرة إلا لوجه ، وليس ذلك الوجه إلا لكونه لا مستحقا على طريق الدوام كالثواب.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أن هذا ينبني على أن العوض لا بد من أن يؤخر إلى الآخرة ، ونحن لا نسلم ذلك ، بل المجوز أن يوصله الله تعالى إليه في دار الدنيا إما في وقت واحد ، أو في أوقات كثيرة ، وليس في ذلك ما يدل على دوام العوض البتة. على أن في الأعواض ما لا يمكن فيه إلا التأخير إلى الآخرة ، وهو كالعوض المستحق بالإماتة ونحوها ، فكيف يصح القول بأن تأخير العوض لا وجه له إلا استحقاقه على الدوام؟
ومما يقولونه في ذلك أيضا ، هو أن الألم لا بد من أن يثبت فيه الاعتبار والعوض جميعا ، ثم إن النفع بالاعتبار مستحق دائما ، وكذلك العوض ينبغي أن يكون دائما.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أن هذا جمع بين أمرين من غير علة جامعة فلا يصح ذلك ، ويوضحه ، أن النفع بالاعتبار إنما يستحق لأدائه الواجبات ولاجتنابه المقبحات ، فلذلك استحقه الواحد منا على طريقة التعظيم والإجلال ، ونظير ذلك في الشاهد المدح والذم ، والمدح والذم إنما يستحقان على طريقة الدوام ، وليس كذلك العوض فإنه لا يستحق على طريقة التعظيم والإجلال ، ونظيره في الشاهدة أروش الجنايات وقيم المتلفات ، وشيء من ذلك لا يستحق على طريقة الدوام بالاتفاق.
ومما يتعلقون به في هذا الباب ، قولهم : إن العوض لو لم يستحق دائما لكان يصح توفيره على المستحق دفعة واحدة لأن كونه متناهيا منقطعا يقتضي ذلك وذلك يوجب أن يحسن من الله تعالى أن يمرض أحدنا سنة كاملة لمنافع يصح توفيرها عليه في وقت واحد ، والمعلوم أن عاقلا من العقلاء لا يختار مرض سنة لمنافع تصل إليه في وقت واحد ، وإن بلغ النفع ما بلغ.
وجوابنا على ذلك ، أن هذا لو قدح في شيء فإنما يقدح في حسن إيصال الله