ثواب من فوقه في المنزلة لا يغتم ولا يلحقه بذلك حزن ، لأنه يعلم قدر ما يستحقه من الثواب ولا يتمنى الزيادة عليه ويرضى بحظه ، كذلك هاهنا. وعلى أن هذا ينبني على أنه لا يتصور انقطاع العوض إلا على حد يتألم به المعوض ، وليس كذلك ، فإن من الجائز أن يزيل الله تعالى حياة بعضهم على حد لا يتألم بذلك ، بأن يغافص حياته وينقله إلى صورة مستحسنة يسر أهل الجنة بالنظر إليه ، وإذا كان ذلك جائزا فقد فسد ما تعلقوا به.
فإن قيل : كيف يجوز ذلك ومعلوم أن ما يفعله تعالى فلا بد من أن يكون له فيه غرض ولا غرض في ذلك ، وأيضا فقد اتفقت الأمة على أن لا موت بعد الحشر ، وقد روى في ذلك الأخبار «خلود ولا موت» ، قيل له : يجوز أن يكون غرض القديم تعالى في ذلك زيادة سرور أهل الجنة وغم أهل النار ، فإن أهل الجنة إذا رأوا انقطاع عوض بعض الحيوانات وقد علموا دوام ما هم فيه من النعم ازدادوا بذلك فرحا وغبطة.
وهكذا الحال في أهل النار ، فإن الكافر إذا رأى أن بعض الحيوانات وقد أزيل حياته مغافصة ونقل إلى صورة يلتذ بها وبالنظر إليها ، وهو يعلم دوام ما هو فيه من العقاب ، يتمنى حاله ، ولهذا حمل بعض المفسرين قوله : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) [النبأ : ٤٠] على أن الكافر يشاهد ذلك فيتمنى تلك الحالة.
أما قولهم : لا موت بعد الحشر فكذلك ، غير أن كلامنا في التجويز ، وإذا كان ما ذكرناه من باب المجوز لم تسلم لهم الشبهة التي جعلوها دلالة في المسألة.
وبعد ، فليس يجب في العوض أن يعلم أن ما يصل إليه من المنافع أعواضا يستحقها ، بل إذا علم أنه تعالى عدل حكيم لا يبخس حقه بل يوفر عليه ما يستحقه إما في الأوقات أو دفعة واحدة أو كما يرى الصلاح فيه ، كفى ، فإذا كان هكذا ، فليس يمتنع أن يوفر الله على المعوض ما يستحقه من الأعواض في دار الدنيا وإن لم يشعر به ولا علم أنه هو الأعواض التي يستحقها عليه تعالى ، وأيضا ، فليس يجب في المعوض إذا انقطع عنه العوض أن يتألم بانقطاعه على كل حال ، سيما والقديم تعالى إنما يوفره عليه مفرقا على الأوقات على حد ينتفع به ويقع له الاعتداد بمكانه ثم يقطعه عنه على حد لا يؤثر في حاله ولا يعتد به ، إذ ليس يمتنع في النفع إذا حصل أن يقع به الاعتداد ، وأمكن به الانتفاع ، وإذا انقطع لم يقع بذلك اعتداد ، ولا كان به مبالاة ، فإن من اعتاد أكل جملة من الأطعمة الشهية كل يوم وزيادة لقمة ، فإنه متى تناول تلك اللقمة التذ الالتذاذ اللائق بها ، ولو أنه انقطعت عنه لم يعتد بها ولا أثرت ، كذلك