دفعه ، أو يكون مفسدة فالواجب أن يمنعه الله تعالى من ذلك ولا يمكنه منه ، لا أن يؤلمنا لمكانه ، فصح أنه تعالى لا يصح أن يفعل الإيلام لدفع الضرر وإن حسن منه فعله للنفع والاستحقاق على ما تقدم.
إذا ثبت هذا ، فقول من قال إن الألم لا يحسن إلا إذا كان مستحقا لا يخلو ، إما أن يريد به أنه لا يحسن إلا للاستحقاق سواء كان من جهة الله تعالى أو من جهة غيره ، وذلك فقد أبطلناه بما تقدم ، فلقد ذكرنا أنه يحسن للنفع ولدفع الضرر كما يحسن للاستحقاق ، وإما أن يريد به أنه وإن حسن من العباد لهذه الوجوه فلا يحسن من الله تعالى إلا مستحقا ، فالكلام عليه هو أن نقول : لو كان الأمر على ذكرته لكان يجب ألا يحسن من الله تعالى إيلام من لا يستحق الإيلام ، ومعلوم أن الأنبياء مع أنهم لا يستحقون ذلك ربما تصيبهم الآلام العظيمة.
فإن قالوا : ما أنكرتم أنهم يستحقون الألم لكبائر ارتكبوها قبل البعثة؟ قلنا : إن الأنبياء لا تجوز عليهم الكبائر لا قبل البعثة ولا بعدها.
وأيضا ، فلو كان كذلك لكان يجب إذا تاب المريض أن يبرأ ، لأن التوبة تزيل العقاب وتسقطه ، ومعلوم خلافه.
ومما يوضح ذلك فساد أصحاب النقل القائلين بأن هذه الأرواح تنتقل بهذه الهياكل وأن الإنسان متى عصى الله تعالى في قالب نقله إلى قالب آخر وعذبه فيه ، هو أنه لو كان كذلك لكان يجب أن يتذكر أحدنا ما كان يجري عليه من الأمور العظيمة ، نحو المصيبة بالوالدين ، والمصادرة بالرغائب والأموال النفيسة ، ونحو الرئاسة والقضاء والتدريس وما جرى مجراه وهو في ذلك القالب ، لأن ما ذكرناه من كمال العقل ، والمعلوم أن أحدا من الناس لا يتذكر شيئا من هذه الأحوال وهو في هذا القالب ، ففسد ما قالوه.
ومتى قالوا : إن تخلل زوال العقل يمنع من ذلك فليس الأمر على ما ظنوه ، فإن قاضي بلدة أو رئيس محلة لو جنّ مدة من الزمان ، ثم أفاق وثاب إلى عقله ورجع إليه لبه ، لتذكر أنه كان قاضي تلك البلدة أو رئيس تلك المحلة ، وهذا هو الجواب إذا قالوا إنما لا يذكر ما يجري عليه لطول المدة ، لأن طول المدة مما لا يؤثر في مثل هذه الأمور العظام. وإنما تأثيره فيما لا خطر له. فقد بطل قول أصحاب التناسخ.
ودخل فساد قول البكرية أيضا تحت هذه الجملة ، على أنهم لجهلهم أخرجوا