وبطل أيضا قول البكرية.
وفسد أيضا قول المجبرة ، حيث قالت : إن الاعتبار في حسن الآلام وقبحها لحال الفاعل فإن كان الفاعل هو الله تعالى حسن وإلا لم يحسن ، لما ذكرناه من أن الألم إنما يحسن لهذه الوجوه التي ذكرناها ويقبح لتعريه عن هذه الوجوه ، فلا يختلف الحال في ذلك بحسب اختلاف الفاعلين.
ونعود بعد هذه الجملة فنقول : إنما يفعله الله تعالى من الآلام لا يخلو ، إما أن يوصله إلى المكلف أو إلى غير المكلف ، فإن أوصله إلى غير المكلف فلا بد من أن يكون في مقابلته من الأعواض ما يوفى عليه ، وأن يكون فيه اعتبار المكلفين ، ليخرج بالأول عن كونه ظلما ، وبالثاني عن كونه عبثا ، فإن أوصله إلى المكلف فلا بد فيه من الأمرين جميعا : العوض والاعتبار ، إلا أن الاعتبار هاهنا إما أن يكون اعتبارا له فقط ، أو لغيره ، أو له ولغيره جميعا ، وإن استبعد قاضي القضاة أن يكون اعتبارا لغيره ، ولا يكون اعتبارا له مع أنه أخص به. وهذا وجه له ولمكانه يحسن من الله تعالى الإيلام ، وقد يحسن لوجه آخر وهو الاستحقاق على ما نقوله في العقاب ، فأما إذا خرج عن هذين الوجهين فلا ، حتى أنه لا يحسن من الله تعالى لدفع الضرر ، لأن الله تعالى قادر على أن يدفع ذلك الضرر من دون هذا الألم ، فالإيلام والحال هذه يكون عبثا لا فائدة فيه.
إلا أن هذه الطريقة يمكن سلوكها في النفع ، فيقال : إنه تعالى قادر على إيصال هذا القدر من النفع إليه فلا معنى للإيلام لكي يوصله إليه ، ومتى قلنا : إن مع النفع اعتبارا كان له أن يجنب بمثله ، فالأولى أن نقول : إن ذلك الضرر إما أن يكون مصلحة أو مفسدة ، فإن كان مصلحة فلا سبيل إلى دفعه بل يجب فعله ، وإن كان مفسدة فلا سبيل إلى فعله لقبحه ، فكيف يحسن من الله تعالى الإيلام لئلا يفعل قبيحا.
هذا إذا كان كل واحد من الضررين من جهة الله تعالى.
فأما إذا كان الضرر المدفوع من جهة غير الله تعالى فلا يخلو ، إما أن يكون من جهة المكلف أو من جهة غير المكلف ، فإن كان من جهة المكلف فلا يخلو إما أن يكون مصلحة أو مفسدة ، فإن كان مصلحة فلا سبيل إلى دفعه ، وإن كان مفسدة فالواجب أن يدفعه الله تعالى بالنهي والوعيد ، فأما أن يؤلمه ليندفع به عنه ذلك الضرر فلا ، وهكذا إذا كان من جهة غير المكلف ، فإنه إما أن يكون مصلحة فلا سبيل إلى