لا يصدر عنهما الإيجاب لكان يكون قد انقلب جنسهما ، وإذا أوجب مع أنهما وجدا لا في محل لكان لم يكونا بأن يوجبا الحكم لهذا المحل ، أولى من أن يوجبا لغيره من المحال لعدم الاختصاص ، فكان يجب أن يوجبا كون الجواهر كلها متحركة ساكنة في وجهة واحدة ، وذلك يوجب انقلابهما عما هما عليه في أنفسهما ، لأن الجوهرين لأمر يرجع إليهما لا يصح وجودهما في جهة واحدة ، فبان بهذه الجملة صحة ما ادعيناه ، من أن هذه الأعراض إذا لم توجد إلا في محل ، فإنما لا يصح ذلك فيها ، لأنها إذا وجدت لا في محل أدى إما إلى انقلابها عما هي عليه في ذاتها ، أو إلى انقلاب غيرها ، وليس كذلك الإرادة ، فإن الذي يقتضيه ما هي عليه في ذاتها هو أن توجب الحكم للحي ، وتضاد ضدها عليه ، وهي مع أنها موجودة لا في محل ، توجب الحكم لله تعالى وتضاد ضدها عليه ، ولا تنقلب عما هي عليه في ذاتها.
وأحد ما يتعلقون به ، قولهم : إن الله تعالى لو كان مريدا بإرادة محدثة موجودة لا في محل ، لكان لا تختص تلك الإرادة بالله تعالى ، وحالها مع الله تعالى كحالها معنا ، فإما أن توجب الحكم لنا وله جميعا أو لا توجب الحكم لأحد أصلا ، فإما أن توجب لأحدهما دون الآخر فلا.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أن الإرادة علة ، ومن حق العلة أن تختص بالمعلول غاية الاختصاص بطريقة الحلول إذا كان ممكنا ، وطريقة الحلول فينا ممكنة ، فمتى لم تحلنا انقطع اختصاصها بنا ، وإذا انقطع اختصاصها بنا وجب أن تختص بالله سبحانه وتعالى ، سيما إذا كان وجودها على حد وجود القديم ، وإلا خرجت عن كونها علة موجبة واختصت به دوننا وصارت بإيجاب الحكم له أولى وصار الحال فيها كالحال في جنس من الأجناس المقدورات ، إذا ثبت كونه مقدورا ، وثبت أنه غير مقدور لنا فإنه والحال هذه لا بد من أن يكون مقدورا لله تعالى ، وإلا خرج عن كونه مقدورا ، كذلك في مسألتنا.
وشبهة أخرى لهم في المسألة ، وهي أنهم قالوا : لو كان اختصاص الإرادة بالقديم من حيث إن وجودها على حد وجود القديم لوجب في الفناء أن يختص به ، لأن وجوده على حد وجود القديم تعالى فيجب أن ينفيه تعالى الله عن ذلك كما ينفي الجواهر والأصل في الجواب عن ذلك ، أن هذا لا يصح ، لان الفناء إنما ينفي الجواهر.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أن هذا لا يصح ، لأن الفناء إنما ينفي الجواهر