ومتى قيل : أليس أنه إذا كان ذا قلب صح أن يريد ، ومتى لم يكن كذلك لم يصح؟ قلنا : إنه وإن كان كذلك إلا أنه ليس يجب في القلب أن يكون مصححا لها ، لأن ذلك إنما وجب من حيث إن الإرادة تفتقر في وجودها إلى محل مبني بنية مخصوصة نحو بنية القلب ، لا لأن القلب مصحح لها.
وصار ذلك كما نقول في كون عالما أنه لا يصح ما لم يكن ذا قلب ، ثم لا يقال : إن كونه ذا قلب هو المصحح له ، لأن احتياجه إلى القلب هو من حيث إنه لا يكون عالما إلا بعلم ، العلم في وجوده يحتاج إلى محل مبني بنية مخصوصة نحو بنية القلب فكيف يصح ما قالوه ، وهل هذا إلا كما يقال : لما لم يصح في الواحد منا أن يكون عالما قادرا إلا إذا كان جسما ، وجب في كونه جسما أن يكون هو المصحح لهاتين الصفتين ، فكما أن ذلك لا يجب لأن احتياج كونه عالما قادرا إلى كونه جسما هو من حيث إنه عالم بعلم وقادر بقدرة ، والعلم والقدرة يحتاجان في وجودهما إلى محل مبني بنية مخصوصة ، والمحل المبني بنية مخصوصة لا يكون إلا جسما ، لا من حيث إن كونه جسما يصحح هاتين الصفتين ، كذلك في مسألتنا.
وإذ قد صحت هذه الصفة لله تعالى ، فالذي يدل على ثباتها له ، هو أن في أفعاله تعالى ما وقع على وجه دون وجه ، والفعل لا يقع على وجه دون وجه إلا لمخصص هو الإرادة.
بيان ذلك ، أن خلق القديم تعالى الحياة فينا إذا جاز أن يكون نعمة وجاز أن يكون نعمة ، لم يكن بد من أمر ومخصص له ولمكانه يصير نعمة ، وإلا لم يكن بأحد الوجهين أحق منه بالآخر ، وليس ذلك الأمر إلا الإرادة.
وإن شئت فرضت الكلام في شهوة القبيح ونفرة الحسن فقلت : إنه إذا جاز أن يكون تكليفا وتعريضا للمكلف إلى درجة الثواب ، وجاز أن يكون إغراء على القبيح ، لم يختص بأحد الوجهين دون الآخر إلا لمخصص هو الإرادة.
وقد فرض مشايخنا الكلام في الأمر والخبر ، لأن الأمر لا يكون أمرا إلا بالإرادة ، وكذلك الخبر.
وتحرير ذلك ، أن قولنا : محمد رسول الله ، يجوز أن يكون خبرا عن محمد بن عبد الله ، ويجوز أن يكون خبرا عن المحمدين ، وإذا كان كذلك ، لم يكن بأن يكون خبرا عنه أولى من أن يكون خبرا عن غيره إلا بأمر ومخصص ، وليس ذلك الأمر إلا