الإرادة.
فإن قيل : ومن أين أن قولنا محمد رسول الله كما يجوز أن يكون خبرا عن محمد بن عبد الله يجوز أن يكون خبرا عن غيره من المحمدين؟ قلنا : لأنه لو لم يجز ذلك لارتفع التجوز عن الكلام وبطل ، لأن التجوز هو أن يستعمل اللفظ في غير ما وضع له في الأصل ، فمتى لم يجز استعمال اللفظ إلا على وجه واحد فقد بطل المجاز أصلا.
فإن قيل : ولم قلتم : إن ذلك الأمر ليس إلا الإرادة؟ قلنا : لأنه لا يخلو ، إما أن يكون راجعا إلى ذات الخبر وصفاته ، وذلك لا يجوز ، وإلا كان لا يجوز أن يقع مرة فيكون خبرا ويقع مرة أخرى فلا يكون كذلك ، لأن هذا هو الواجب في الصفة التي تستحقها الذات لنفسها ولما هو عليه في نفسه كما قلنا في السواد ، ألا ترى أن السواد لما استحق كونه سوادا لذاته ، لم يجز أن يوجد مرة فيكون سوادا وأخرى فلا يكون سوادا.
وبعد ، فإن ذات الخبر وما هو عليه حاله مع هذا المخبر كحاله مع غيره من المخبرين ، فكان يجب أن يكون خبرا عن سائر المخبرين ، أو لا يكون خبرا عن واحد منهم ، أما أن يكون خبرا عن البعض دون الثاني فلا.
وبعد ، فإن صفة الذات ترجع إلى الآحاد والأفراد دون الجمل ، فكان يجب في كل حرف من هذه الحروف أن يكون خبرا ، وقد عرف خلافه.
وهذه الوجوه التي ذكرناها كما تدل على أن الخبر لا يكون خبرا لذاته ولا لما هو عليه في ذاته ، فإنها تدل على أنه لا يجوز أن يكون خبرا لوجوده أو لعدمه أو حدوثه ، لأن حال هذه الأوصاف مع المخبر كحاله مع غيره ، ولأنها ترجع إلى الآحاد والأفراد فكان يجب في كل حرف أن يكون خبرا على ما مر ، ومعلوم خلافه.
وفي العدم وجه آخر ، وهو أنه يحيل الحكم ، وما أحال الحكم لا يجوز أن يكون مؤثرا فيه ، ألا ترى أن الموت لما أحال كونه عالما لم يجز أن يكون مؤثرا فيه ، كذلك في مسألتنا ، أو يكون راجعا إلى غيره ، ثم لا يخلو إما أن يكون تأثيره على طريق الإيجاب فهو المعنى ، وذلك المعنى إما أن يكون موجودا أو معدوما ، وأي ذلك كان فإنه لا يجوز أن يؤثر فيه ، لأن حاله مع بعض المخبرين كحاله مع سائرها.