والعجب من هؤلاء أنهم يوردون علينا مثل هذا الكلام ، ومن مذهبهم أن الطريق منسدة إلى تخليص المكلف نفسه من عقاب الأبد والفوز بالنعيم السرمدي ، لأنه إذا عصب الكفر بناصيته في الأزل وجرى العلم بذلك ، كيف يمكنه إخراج نفسه عنه ، وكيف ينفك عنه؟ فأي رغبة تثبت إلى الله تعالى والحال هذه ، ولو لا فرط جهلهم وقلة عقولهم ، وإلا فما وجه الميل إلى التشيع لمثل هذا الكلام.
وأحد ما يتعلقون به ، هو أن من حق الدلالة أن تكون مقارنة للمدلول ، ألا ترى أن صحة الفعل لما كانت دلالة على كونه قادرا وجب فيها المقارنة ، وكذلك القدرة يجب أن تقارن مقدورها.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أن هذه الشبهة مع ركتها مبنية على أصل لا يصح ، وهو أن من حق الدلالة أن تكون مقارنة للمدلول عليه ، وليس كذلك ، فإن المعجز دلالة على النبوة ، ثم لا بد من أن يتقدمه المدلول ، إذ لو لم يتقدمه لكان في ذلك ظهور المعجز على من ليس بصادق في دعواه. إن المعجز لا بد من أن يكون عقب دعوى المدعي للنبوة ، لا بد من أن يكون نبيا حتى يدعيه ، وإلا كان كاذبا في الدعوى.
وأما قولهم في الفعل ، فلا يصح ، لأن الفعل إنما يدل على أن فاعل كان قادرا ، فقد تقدم المدلول وتبعته الدلالة ، فكيف أوجبوا في ذلك المقارنة؟ ثم يقال لهم : ومن أين وجب إذا كانت هذه الطريقة واجبة في الدلالة أن تكون واجبة في القدرة أيضا؟ وله هذا إلا فرط الجهل الذي لا دواء له.
وأحد ما يتعلقون به ، قولهم : إن القدرة لو كانت صالحة للضدين لكان لا يكون أحدهما بالوقوع أولى من صاحبه إلا بأمر ومخصص ، كما في الجوهر ، فإنه لما صح أن يكون كائنا في هذه الجهة ، وصح أن يكون كائنا في غيرها ، ثم لم يختص ببعض الجهات دون بعض إلا بأمر ومخصص وهو الكون ، فكان يجب مثله في مسألتنا.
والأصل في الجواب عن ذلك ، أن هذا إنما كان يلزم إن لو كان تأثير القدرة على سبيل الإيجاد ، فأما وتأثيرها فيما تؤثر فيه على طريق الصحة والاختيار ، فلا يمتنع أن يختار أحد الضدين دون الآخر ، وإن لم يكن هناك أمر زائد على كونه قادرا ألا ترى أنه إذا قرب إليه طبق وعليه جملة من الرطب فإنه يتناول من ذلك بعضها دون البعض ، مع أن الذي له ولأجله تناول هذا ثابت في الباقي ، ثم لا يطلب لذلك أمر