والترك ، وهو الصحيح الذي اخترناه.
فعلى المذهب الأول لا يلزم ما ذكروه ، وعلى هذا المذهب لا يلزم أيضا.
إلا أنه عند شيخنا أبي هاشم : أن لا يفعل ، جهة في استحقاق الثواب والعقاب كما أن الفعل جهة لذلك ، ألا ترى أن أحدنا لو لم يرد الوديعة مع التمكن من ذلك فإنا نعلم استحقاقه للذم وإن لم نعلم شيئا آخر ، ولو لم يطالب الغريم بالدين فإنا نعلم استحقاقه للمدح وإن لم يفعل شيئا آخر. يبين ذلك ويوضحه ، أنا متى نعلم ذلك من حاله جوزنا أن يستحق الذم وأن لا يستحق ، فوجب أن يكون استحقاقه للذم ، وإن لم نعلم شيئا آخر ، ومتى لم نعلم ذلك من حاله جوزنا أن يستحق الذم ، وأن لا يستحق ، فوجب أن يكون استحقاقه للذم مصروفا إلى أنه لم يفعل ما وجب عليه على ما نقوله ، وهكذا الكلام في استحقاق المديح ، فبطل ما أوردوه وسقط تعلقهم.
شبهة أخرى لهم في المسألة : وهي أنهم قالوا : الفعل كما يحتاج إلى القدرة فقد يحتاج إلى الآلة ، ثم إن الآلات يجب فيها المقارنة ، فكذلك القدرة.
وقد مر ما هو جواب هذا ، فإنا قد بينا أن الآلات تنقسم : إلى ما يجب تقدمها ، وهو كل ما يكون وصلة إلى الفعل نحو القوس وغيرها ، وإلى ما يجب مقارنتها ، وهو كل ما يتمخض محلا ، نحو صلابة الأرض وما شاكل ذلك ، وإلى ما يجب فيه كلا الأمرين ، وذلك كل ما يكون وصلة إلى الفعل ، ويكون مع ذلك محلا ، نحو اللسان في الكلام والسكين في الذبح.
وبينا أن القدرة إن ردت إلى شيء فإنما يجب ردها إلى ما هو كالوصلة إلى الفعل ، فإنها إنما يحتاج إليها لإخراج الفعل من العدم إلى الوجود ، فسقط كلامهم.
وأحد ما يقولونه ، إن القول بتقدم القدرة لمقدورها يوجب انقطاع الرغبات عند الله تعالى ، وذلك بخلاف ما عليه المسلمون ، لأن رغبات المسلمين لا تنقطع ، بل تكون ممتدة نحو الباري.
وجوابنا : إنما كان يلزم ما ذكرتموه إن لو لم يجز انتفاء القدرة بعد وجودها ، فأما ومن المجوز انتفاؤها بأدنى تعب ، لفقد ما تحتاج في الوجود إليه فلا.
وبعد ، فإذا لم يلزم على القول بتقدم اليد والرجل على البطش والمشي ، انقطاع رغبة من له هاتان الآلتان عن الله تعالى ، فكذلك في القدرة.