قلنا : قد تكلمنا على هذا بما لا فائدة في إعادته فلا معنى للتطويل.
فإن قالوا : إن المكتسب اسم لمن يفعل بآلة ، والقديم تعالى لم يفعله بآلة فلا يجوز أن أن يسمى مكتسبا.
قلنا : إن الاسم الذي يشتق للفاعل من فعله يجب أن يجري عليه سواء فعله بآلة أو لم يفعله ، ألا ترى أن المتكلم لما كان اسما لفاعل الكلام ، أجري على كل من فعل الكلام ، سواء فعله بآلة أو بغير آلة ، ولهذا يسمى القديم تعالى متكلما.
وهكذا الكلام في قولنا فاعل ، فإنه لما كان اسما مشتقا من قولنا فعل ، أجري على كل من فعل فعلا ، سواء فعله بآلة أو لم يفعله بآلة. فصح بهذه الجملة أن الكسب غير معقول ، ولو ثبت معقولا لكان لا يصح أن يكون جهة في استحقاق المدح والذم والثواب والعقاب أيضا ، لأن عندهم أنه يجب عند وجود القدرة عليه ، حتى لا يجوز انفكاك أحدنا عنه بوجه من الوجوه ، وما هذا سبيله لا يجوز أن يكون جهة ينصرف إليه المدح والذم ، ويستحق عليه الثواب والعقاب ، لأن هذا كسبيل أمر المرمي به من شاهق بالنزول ، فكما أنه لا يستحق على النزول المدح ولا الذم ولا الثواب ولا العقاب لما لم يمكنه الانفكاك منه ، كذلك في مسألتنا بل ما ذكرناه أولى ، لأن المرمي من شاهق ربما يتشبث بمكان ويتعلق به فلا ينزل ، وليس كذلك من جدت فيه القدرة على الكسب ، فإنه لا بد من أن يكتسب على وجه لا يمكنه الانفكاك عن البتة.
على أن الكسب لو كان معقولا على الحد الذي قالوه ، لكان لا يمتنع من أن تكون هذه التصرفات متعلقة بنا من طريق الحدوث على الحد الذي نقوله ، خاصة وما يدل عندهم على أن هذه التصرفات كسب لنا ، يدل على أنها تتعلق من جهة الحدوث.
ثم إنه رحمهالله عاد بعد هذه الجملة إلى إثبات الكلام في حقيقة الكسب وما يتعلق به. ونحن قد تكلمنا على ذلك ، وبينا أن الكسب عبارة عن فعل واقع على وجه ، وهو أن يستجلب به نفعا أو يستدفع به ضررا ، كما أن الخلق عبارة عن خلق واقع مقدر نوعا من التقدير ، وهو أن يكون مطابقا للصلاح لا يزاد ولا ينقص عنه ، فلا معنى للإطالة بالإعادة.
شبه القوم :
وللقوم شبه في هذا الباب ، يرومون بها إثبات الكسب مرة ، وإفساد مذهبنا