أخرى ، ونحن نذكر من ذلك ما هو أشف وأروج وإلى الجواب أحوج.
فمن ذلك ، قولهم : إن هاهنا حركة اختيارية واضطرارية ، فلو كانت إحداهما متعلقة بنا من طريق الحدوث ، لوجب مثله في الأخرى لأن الحدوث ثابت فيهما ، وقد عرف خلافه ، فليس إلا أنها متعلقة بنا من طريق الكسب.
وربما يؤكدون هذا فيقولون : إن الحدوث في الذوات متماثل ، فلو تعلق حدوث الحركة بنا ، والحدوث ثابت في الجوهر واللون ، لوجب تعلقهما بنا ، والمعلوم خلافه.
وجوابنا عن ذلك : أول ما في هذا أن ذلك لا يستقيم على أصلكم فإن من مذهبكم أن كل واحدة من هاتين الحركتين موجودتان من جهة الله تعالى وموقوفتان على اختياره حتى إن اختارهما كانتا ، وإن لم يخترهما لم تكونا. فكيف سميتم إحداهما اضطرارية والأخرى اكتسابية واختيارية؟ وهل هذا إلا تسمية لا معنى تحتها ولا فائدة فيها.
وبعد ، فإن إثبات حركة اضطرارية ينبني على إثبات محدث في الغائب ، وإثبات المحدث في الغائب يترتب على إثبات محدث في الشاهد ، لأن الطريق الذي يتوصل به إلى ذلك ليس إلا أن يقاس الغائب على الشاهد فيقال : إن هذه التصرفات محتاجة إلينا ومتعلقة بنا ، وإنما احتاجت إلينا لحدوثها ، فكل ما شاركها في الحدوث وجب أن يشاركها في الاحتياج إلى محدث وفاعل ، فالأجسام قد شاركتها في الحدوث ، فيجب أن تشاركها في الحاجة إلى محدث ، ومحدثها لا يجوز أن يكون الواحد منا ولا مثله ، فيجب أن يكون لها فاعل مخالف لنا وهو الله تعالى فأنتم قد سددتم على أنفسكم هذه الطريقة ، فكيف يمكنكم إثبات الحركة الاضطرارية والاستدلال بها على إثبات الكسب.
ثم إنا نعود إلى ما يختص بهذا الموضع فنقول : الاشتراك في الحدوث لا يقتضي الاشتراك في الحاجة إلى محدث معين ، وإنما الذي يقتضيه ، الاشتراك في الحاجة إلى محدث ما غير معين. ثم الكلام في تعيين المحدث يقف على الدلالة ، فإن قامت دلالة على أن محدث ذلك الفعل الواحد منا قيل به ، وإن قامت على أن محدثه غيرنا قضي به ، فكيف يصح ما ذكرتموه؟ يبين ذلك ، أن الحال فيها كالحال في الحكم المستند إلى العلة ، فكما لا يجب بالاشتراك في الحكم الاشتراك في الحاجة إلى تلك العلة بعينها ، وإنما يجب الاحتياج إلى علة ما غير معينة ، كذلك في مسألتنا.
وأما قولهم : إن الحدوث في الذوات متماثل ، فكلام لا معنى له ، لأن التماثل