الكلام عليهم إن شاء الله تعالى وبه الثقة.
ونحن نورد دلالة تعم كلا المذهبين بالافساد ، فنقول : لو كان مع الله تعالى قديم ثان لوجب أن يكون مثلا له لأن القديم صفة من صفات النفس ، والاشتراك فيها يوجب التماثل والاشتراك في سائر صفات النفس. وإذا كان كذلك ، والقديم تعالى قادرا لذاته وجب أن يكون الثاني أيضا قادرا لذاته ، فيجب صحة وقوع التمانع بينهما ، لأن من حق القادر على الشيء أن يكون قادرا على جنس ضده إذا كان له ضد ، ومن حقه أيضا أن يحصل مقدوره إذا حصل داعيه إليه ولا منع وذلك يوجب ما ذكرناه. إذا ثبت هذا ، فلو قدّر وقوع التمانع بينهما ، بأن يريد أحدهما تحريك جسمه والآخر يريد تسكينه لكان لا يخلو ، إما أن يحصل مرادهما وذلك يؤدي إلى اجتماع الضدين ، أو لا يحصل مرادهما ، وذلك يقدح في كون الواحد الذي يثبت بالدلالة قادرا لذاته ، أو يحصل مراد أحدهما دون الآخر. فمن حصل مراده فهو الإله ، ومن لم يحصل مراده فهو الممنوع. والممنوع متناهي المقدور قادر بقدرة والقادر بالقدرة لا يكون إلا جسما ، وخالق العالم لا يجوز أن يكون جسما.
وهذه الدلالة مبنية على أصول : منها أن القديم قديم لنفسه ، ومنها أن الاشتراك في صفة صفات الذات يوجب التماثل والاشتراك في سائر الصفات ، ومنها أن من حق كل قادرين صحة وقوع التمانع بينهما ، ومنها أن من حق القادر على الشيء إذا دعاه الداعي أن يحصل لا محالة ، حتى لو لم يحصل لخرج عن كونه قادرا ، ومنها أن من حق القادر على الشيء أن يكون قادرا على جنس ضده إذا كان له ضد ، ومنها أن من لم يحصل مراده يكون ممنوعا متناهي المقدور ، ومنها أن متناهي المقدور لا بد من أن يكون قادرا بقدرة ، ومنها أن القادر بالقدرة لا بد من أن يكون جسما ، ومنها أن خالق العالم لا يجوز أن يكون جسما.
أما الكلام في أن القديم قديم لنفسه ، وأن الاشتراك فيها يوجب التماثل فقد تقدم.
وأما الكلام في أن من حق كل قادرين صحة وقوع التمانع بينهما ، فهو لأن من حق القادر على الشيء أن يكون قادرا على جنس ضده إذا كان له ضد ، وإذا قدر عليه صح وقوع التمانع بينهما على ما ذكرنا.