فإن قيل : وما التمانع؟ قلنا : هو أن يفعل كل واحد من القادرين ما يمنع به صاحبه.
وأما الكلام في أن من حق القادر على الشيء إذا دعاه الداعي إليه أن يحصل لا محالة فظاهر ، لأن الواحد منا إذا كان جائعا وبين يديه طعام شهي لذيذ ، وكان له داع إلى أكله لا بد من أن يأكله حتى لو لم يأكله لخرج عن كونه قادرا.
وأما الكلام في أن من لم يحصل مراده فإن يكون ممنوعا فظاهر لا إشكال فيه ، لأنه لو لم يكن ممنوعا لحصل مراده ، فلما لم يحصل دل على أنه ممنوع.
وأما الكلام في أن الممنوع متناهي المقدور ، فهو أنه لو لم يكن كذلك لحصل مراده ، فلما لم يحصل مراده دل على أن مقدوره قد تناهى. ألا ترى أن أحدنا إذا حاول حمل الثقيل فلا بد من أن تكون قدرته زائدة على ثقله حتى يمكنه رفعه ، ومتى لم يمكن رفعه علم أن مقدوره قد تناهى.
وأما الكلام في أن متناهي المقدور قادر بقدرة ، فهو أن الذي يحصل المقدورات في الجنس والعدد إنما هو القدرة ، فإذا تناهى مقدوره دل على أنه قادر بقدرة.
وأما الكلام في أن القادر بالقدرة لا بد من أن يكون جسما ، فهو أن القدرة لا يصح الفعل بها إلا بعد استعمال محلها في الفعل أو في سببه ضربا من الاستعمال ، ألا ترى أنه لا يمكننا رفع الثقيل بما في أيدينا من القدرة إلا بعد أن نستعملها في الفعل أو في سببه نوعا من الاستعمال ، فإذا كان كذلك وجب أن يكون جسما.
وأما الكلام في أن خالق العالم لا يجوز أن يكون جسما فقد تقدم.
فإن قيل ، ما أنكرتم أن مقدورهما واحد ، لأنهما قادران للذات فلا يعلم وقوع التمانع؟ وصار الحال فيه كالحال في الواحد منا مع نفسه ، فكما أنه لا يصح وقوع التمانع بينه وبين نفسه لما كان مقدورهما واحدا ، كذلك هنا.
ولنا في الجواب عن ذلك طرق :
أحدها ، ما سلكها شيخنا إسحاق بن عياش ، وتحريرها ، هو أن من حق كل قادرين أن يكون مقدورهما متغايرا ، سواء كانا قادرين للذات أو لمعنى لأن الذي دل على استحالة مقدوري قادرين ، لم يفصل بين أن يكونا قادرين للذات أو لمعنى وما دل على صحة وقوع التمانع بين القادرين ، لم يفصل بين أن تكون هذه الصفة مستحقة