المصحح لها غير هذه الصفة؟ فإن قيل : وما تلك الصفة قلنا : لا يلزمنا بيانه على طريق الجدل ، غير أنا نتبرع فنقول : إن تلك الصفة إنما هو التحيز في الجوهر ، والهيئة في الكون. فإن قالوا لو كان كذلك لأدى إلى اختلاف المصحح ، وذلك مما لا يجوز. ألا ترى أن كون أحدنا حيا لما صحح كونه عالما قادرا لم يختلف البتة ، حتى وجب في كل عالم أن يكون حيا ، كذلك في مسألتنا لو كان التحيز هو المصحح للرؤية في الجوهر ، لوجب في كل مرئي أن يكون متحيزا ، والمعلوم خلافه. وجوابنا أنه لا يمتنع اختلاف المصحح ، ألا ترى أن المصحح لكون أحدنا عالما قادرا حيا موجودا ، إنما هو كون القديم تعالى قادرا عالما حيا. ثم ليس يجب أن يكون المصحح لهذه الصفات فيه تعالى ما ذكرناه ، بل المصحح لها ما هو عليه في ذاته ، كذلك في مسألتنا.
ومما يتعلقون به أيضا ، قولهم : إن إثبات الرؤية لله تعالى لا تؤدي إلى حدوثه ، ولا إلى حدوث معنى فيه ، ولا إلى تشبيهه بخلقه ، ولا إلى تجويره في حكمه ، ولا إلى تكذيبه في خبره ، فيجب أن تثبت الرؤية لله تعالى ويقال إنه مرئي.
وهذه شبهة مسترقة من شيخنا أبي علي ، فإنه قال في كتاب «من يكفر ومن لا يكفر» أن إثبات الرؤية لله تعالى على ما يقوله هؤلاء الأشعرية لا يكون كفرا لأنه لا يؤدي إلى حدوثه ولا إلى حدوث معنى فيه وعدّ هذه الأمور ، فظن القوم لجهلهم أن هذا يدلهم على إثبات الرؤية.
فيقال لهم : إن نفي الرؤية عن الله تعالى لا يؤدي إلى حدوثه ، ولا إلى حدوث معنى فيه ، ولا إلى تشبيهه بخلقه ، ولا إلى تجويره في حكمه ، ولا إلى تكذيبه في خبره ، فيجب أن ننفي عنه الرؤية ، وهذه الطريقة تسمى قلب التسوية.
وبعد ، فإن إثبات جبريل عليهالسلام في السماء السابعة لا يؤدي إلى حدوث القديم تعالى ، ولا إلى حدوث معنى فيه ، ولا إلى تشبيهه بخلقه ، ولا إلى تكذيبه في خبره. ثم لا يجب أن يقال : إن جبريل في السماء السابعة ، وكذلك فإن إثبات بلدة عظيمة بين الري وأصفهان أعظم منهما لا يؤدي إلى ذلك ففسدت هذه الطريقة.
ثم يقال لهم : إن إثبات الرؤية يؤدي إلى حدوثه ، وإلى حدوث معنى فيه ، وإلى تشبيهه بخلقه ، وإلى تجويره في حكمه ، وإلى تكذيبه في خبره ، لأن الشيء إنما يرى إذا كان مقابلا ، أو حالا في المقابل ، وهذه من صفات الأجسام فيجب أن يكون القديم تعالى جسما وإذا كان جسما يجب أن يكون محدثا ، لأن الأجسام لا تخلو من المعاني