المعدومات لأن الرؤية مستحيلة على المعدومات ، قلنا : وكذلك القديم تعالى تستحيل عليه الرؤية ، فلا يجب أن يرى نفسه فيما لم يزل.
ومما يتعلقون به ، قولهم : قد ثبت أن الله تعالى راء لغيره فيجب أن يرى نفسه ، لأن العلة في صحة أن يرى غيره هي العلة في صحة أن يرى نفسه دليله الشاهد ، فإن كل من صح أن يرى غيره يصح أن يرى نفسه ، ومن لم يصح أن يرى غيره لم يصح أن يرى نفسه ، والعلة هو ما يثبت الحكم بثباته ويزول بزواله ، ولم يكن هناك ما تعليق الحكم عليه أولى ، وفي مسألتنا ما تعليق الحكم عليه ، فلا يصح ما ذكرتموه.
وبعد ، فإن هذا قياس الرائي على المرئي ، وأحدهما مباين للآخر ، لأن الرائي إنما يصح أن يرى الشيء لكونه حيا بشرط صحة الحاسة ، والمرئي إنما يرى لكونه مرئيا في نفسه بشرط أن يكون موجودا في الحال ، وليس كذلك القديم تعالى ، فلا يصح ما أوردتموه. وهل هذا إلا كأن يقال : إن من كان حيا ، كما يجب أن يكون رائيا للشيء ، يجب أن يكون مرئيا ، فكما أن هذا خلف من الكلام ، كذلك هنا ، لأن المعلوم أن الشيء لا يرى لكونه حيا وإنما يرى لكونه على الصفة التي يتعلق بها الإدراك ، والرائي إنما يرى الشيء لكونه حيا. وبعد ، فما أنكرتم أن الواحد منا إنما يصح أن يرى نفسه لأنه مما تصح رؤية ، وليس كذلك القديم تعالى لأن الرؤية مستحيلة عليه ، ففارق أحدهما الآخر.
ومما يتعلقون به أيضا ، قولهم : قد ثبت أن القديم تعالى موجود ، فيجب أن يكون مرئيا.
وجوابنا عن ذلك هو أن نقول : ولم قلتم : إن ما كان موجودا يجب أن يكون مرئيا؟ فإن قالوا : لأن مصحح الرؤية إنما هو الوجود ، بدليل أن الشيء متى كان موجودا كان مرئيا ، ومتى لم يكن كذلك لم يكن مرئيا ، وبهذه الطريقة يعلم تأثير المؤثرات من المصحح وغير المصحح. قلنا : كيف يصح قولكم إن الشيء متى كان موجودا يرى ، ومعلوم أن كثيرا من الموجودات لا ترى ، كالإرادات والكراهات وغير ذلك؟ ثم نقول لهم : ولم قلتم إنه إذا لم يكن موجودا لم يصح أن يرى ، أو ليس عندكم أنه يجوز أن يرى المعدومات بأن يخلق الله تعالى الإدراك المتعلق بها؟ ثم يقال لهم : كيف يصح قولكم إن المصحح للرؤية إنما هو الوجود ، ومعلوم أن الشيء عند ما تصح رؤيته كما تتجدد له صفة الوجود تتجدد له صفات أخرى ، فليس بأن تجعل الصفة المصححة للرؤية هي الوجود ، أولى من أن تجعل الصفات الأخر ، فما أنكرتم أن