لا نشاهده عزوجل ، فاحتجنا إلى إقامة الدليل عليه.
وتحرير الدلالة على ذلك ، أنه عالم قادر ، والعالم القادر لا يكون إلا موجودا.
وهذه الدلالة مبنية على أصلين ، أحدهما ، أنه تعالى عالم قادر وقد تقدمه ، والثاني ، أن العالم القادر لا يكون إلا موجودا فلا يمكن رده إلى الشاهد ، لأنا لو قلنا : إن الواحد منا إذا كان عالما قادرا لا بد من أن يكون موجودا فكذلك القديم تعالى ، كان لقائل أن يقول : إن الواحد منا إنما يجب أن يكون موجودا لأنه عالم بعلم ، وقادر بقدرة ، والعلم والقدرة يحتاجان إلى محل مبنى مبنية مخصوصة ، والمحل المبني على هذا الوجه لا بد من أن يكون موجودا ، وليس كذلك القديم تعالى لأنه عالم لذاته ، وقادر لذاته ، فلا يجب وجوده وإن كان عالما قادرا.
فالأولى أن نسلك طريقة على غير هذه الطريقة فنقول : إن القادر له تعلق بالمقدور ، والعالم له تعلق بالمعلوم ، والعدم يحيل التعليق ، فلو كان القديم تعالى معدوما لم يصح كونه قادرا ولا عالما ، والمعلوم خلافه.
فإن قيل : وما المراد بقولكم إن القادر له تعلق بالمقدور ، والعالم له تعلق بالمعلوم؟ قلنا : المراد بذلك ، أن القادر يصح منه إيجاد ما قدر عليه إن لم يكن منع ، والعالم يصح منه إيجاد ما قدر عليه على وجه الإحكام والاتساق إذا لم يكن هناك ثمة منع.
فإن قيل : ولم قلتم : إن العدم يحيل التعلق؟ قلنا : لأنا قد علمنا أن الإرادة إذا وجدت تعلقت ، وإذا عدمت زال تعلقها. وإنما زال تعلقها لعدمها ، فكل ما شاركها في العدم وجب أن يشاركها في زوال التعلق.
فإن قيل : ولم قلتم إن الإرادة متى عدمت زال تعلقها ، ثم لم قلتم إن زوال تعلقها لعدمها؟ قلنا : أما الذي يدل على أن الإرادة متى عدمت زال تعلقها ، هو أنه لو لم يزل لكان لا يخلو ، إما أن تكون متعلقة بنفس ما كانت متعلقة به ، أو متعلقة بغير ما كانت متعلقة به ، لا يجوز أن تكون متعلقة به ، لأنه ما من مراد إلا ويجوز أن ينقضي ويمضي ، والإرادة مما لا يجوز تعلقها بالماضي والمنقضي ، ولا يجوز أن تكون متعلقة بغير ما كانت متعلقه به لأن في ذلك انقلابها عما هي عليه في ذاتها واتصافها بصفة تخالفها وهذا لا يجوز.
وأما الذي يدل على أن زوال تعلقها لعدمها ، فهو أنه لا يخلو ، إما أن يكون