والتغير لا يجوز على القديم تعالى ، فليس إلا أنه غير مدرك.
والجواب : ما تعنون بالتغير؟ أتريدون به أنه حصل على صفة بعد إذ لم يكن عليها ، أو تريدون أنه صار غير ما كان ، على ما تقوله العرب في المحل إذا وجد فيه بياض بعد أن كان أسود أنه تغير على معنى أنه صار غير ما كان؟
فإن أردتم به الأول ، فذلك كلام لا فائدة فيه ، وينزل منزلة قول القائل لو حصل القديم تعالى مدركا بعد أن لم يكن ، لحصل مدركا بعد أن لم يكن ، وذلك فاسد.
وإن أردتم به الثاني ، فمن أين أنه تعالى إذا حصل على صفة لم يكن عليها وجب أن يكون قد تغير وصار غير ما كان.
ثم يقال لهم ولم لا يجوز عليه هذا النوع من التغير؟ فإن قالوا : لأن ذلك من سمات الحوادث ، قلنا : لا نسلم ذلك فبينوه ، وإذا راموا بيانه لم يجدوا إليه سبيلا.
ومنها ، هو أنه تعالى لو كان مدركا لوجب احتياجه إلى الحاسة ، وأن تختلف حواسه بحسب اختلاف المحسوسات ، حتى إن كان المدرك صوتا احتاج إلى حاسة السمع ، وإن كان المدرك طعما احتاج إلى حاسة الذوق ، وكذلك الكلام في البواقي كما في الواحد منا ، والمعلوم خلافه ، فيجب أن لا يكون مدركا.
والجواب ، أن أحدنا إنما يحتاج في إدراك هذه المدركات إلى الحواس لأنه حي بحياة ، والحياة لا يصيح الإدراك بها إلا بعد استعمال محلها في الإدراك ضربا من الاستعمال ، والقديم تعالى حي لذاته ، ففارق أحدهما الآخر.
ومنها ، هو أنهم قالوا : لو كان الله تعالى مدركا لوجب أن يسمى ذائقا وشاما ولامسا ، والمعلوم خلافه ، فيجب أن لا يكون مدركا.
والجواب : إن الشام ليس باسم للمدرك فقط ، وإنما هو اسم لمن يستجلب المشموم إلى الخيشوم طلبا لإدراكه ، وكذلك الذائق اسم لمن يجمع بين محل الطعم وبين لهاته طلبا للادراك به ، وكذلك الملامس فإنه اسم لمن يجمع بين محل حاسته وبين الملموس ، والقديم تعالى يدرك هذه المدركات لا على هذا الحد ، فليس يجب أن تجري عليه هذه الأسماء ، فصح ما قلناه.