ما يلزم المكلف معرفته في هذا الباب
ثم إنه رحمهالله أورد في آخر الفصل ما يلزم المكلف معرفته في هذا الباب.
والأصل في ذلك ، أن تعلم أنه تعالى كان قادرا فيما لم يزل ، ويكون قادرا فيما لا يزال ، ولا يجوز خروجه عنها لضعف أو عجز ، وأنه قادر على جميع أجناس المقدورات ، ومن كل جنس على ما لا يتناهى ، وأنه لا ينحصر مقدوره لا في الجنس ولا في العدد.
الذي يدل على أنه تعالى كان قادرا فيما لم يزل
وأما الذي يدل على أنه تعالى كان قادرا فيما لم يزل ، فهو أنه لو لم يكن قادرا فيما لم يزل ، ثم حصل قادرا بعد أن لم يكن ، لوجب أن يكون قادرا بقدرة محدثه متجددة ، وسنبين فساده إن شاء الله تعالى.
فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون الحال في كونه قادرا كالحال في كونه مدركا ، فكما أنه حصل مدركا بعد أن لم يكن ، ولا يجب أن يكون مدركا بإدراك محدث ، كذلك في مسألتنا. قلنا : فرق بين الموضعين ، لأن كونه مدركا يجب لكونه حيا بشرط متجدد وهو وجود المدرك ، وليس كذلك كونه قادرا ، فإنه غير مشروط بشرط متجدد ، إذ الشرط فيه ليس إلا عدم المقدور ، وذلك مما لا يتجدد.
وأما الذي يدل على أنه تعالى يكون قادرا فيما لا يزال ، فهو أنه يستحق هذه الصفة لنفسه ، والموصوف بصفة من صفات النفس ، لا يجوز خروجه عنها بحال من الأحوال.
وأما الذي يدل على أنه عزوجل قادر على سائر أجناس المقدورات ، فهو أن أجناس المقدورات لا تخلو ، إما أن تدخل تحت مقدورنا ، أو لا تدخل تحت مقدورنا. فإن لم تدخل تحت مقدورنا وجب أن يختص القديم تعالى بها وإلا خرجت عن كونها مقدورة ، وإن دخلت تحت مقدورنا فالله تعالى بأن يكون قادرا عليها أولى ، لأن حاله في القدرة على الأجناس إن لم يزد على حالنا لم ينقص عنه.
وبعد ، فإن الذي يحصر المقدورات في الجنس والعدد إنما هو القدرة ، والله تعالى يستحق هذه الصفة لذاته ، فيجب أن لا تنحصر مقدوراته ، فعلى هذا يجب أن تعلم هذا الفصل.