الثابت بالمنفي.
وبعد فإن المنع إذا لم يكن بطريقة القيد والجنس ، كان بالضد أو ما يجري مجرى الضد ، فكان يجب كما تعذر على المريض المدنف تحريك نفسه أو المشي لمكان ذلك المنع الذي هو الضد ، أن يتعذر علينا أيضا تحريكه ، لأن حال الضد معه كحاله معنا ، والمعلوم خلاف ذلك. فيجب القضاء بأن هذه المفارقة معللة بأمر راجع إلى الجملة ، وهو الذي عبرنا عنه بكونه قادرا.
فإن قيل : نقلب هذه المسألة عليكم ، فنقول : إن من تعذر عليه الفعل إنما تعذر عليه لأمر ، والذي صح منه إنما صح لزوال ذلك الأمر ، قلنا : صحة الفعل حكم ثابت ، فلا يجوز أن يعلل بما يرجع إلى النفي.
وبعد فلو كان كذلك لوجب في كل من زال عنه ذلك الأمر أن يصح منه ذلك الفعل بعينه ، وهذا يقتضي كون المقدور الواحد من قادرين ، وذلك محال.
فإن قيل : ما أنكرتم أن المريض المدنف إنما تعذر عليه الفعل لرطوبات فاضلة ومواد انصبت إلى آلتي بطشه ومشيه؟ قلنا : إنما نفرض الكلام في مريض غلبت عليه اليبوسة وذبل ذبولا لا إلى حد ، فسقط ما أوردتموه.
فإن قيل : ما أنكرتم أن من صح الفعل منه إنما صح لأنه صحيح ، ومن تعذر عليه إنما تعذر لأنه مريض؟ قلنا : ما تعنون بالصحة؟ فإن أردتم صفة ترجع إلى الجملة لها ولمكانها صح الفعل ، فلا خلاف بيننا وبينكم إلا في العبارة ، وإن أردتم به التأليف المخصوص فذلك لا يجوز ، لأن التأليف حكم يرجع إلى الأجزاء والأبعاض ، وقد ذكرنا أن صحة الفعل حكم صدر عن الجملة ، فالمؤثر فيه ينبغي أن يكون راجعا إلى الجملة.
فإن قيل : إنا نعني بالصحة اعتدال المزاج ، قلنا : وما تعنون باعتدال المزاج؟ فإن أردتم به صفة ترجع إلى الجملة فهو الذي نقوله ، وإن أردتم به اعتدال هذه الطبائع الأربع ، التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة على ما يقوله الأطباء ، فذلك فاسد ، لأنها علل متضادة ، والعلل الكثيرة المتضادة لا تجتمع على إيجاد حكم واحد ، فعلى هذا يجب أن تترتب هذه الجملة.