وتقدم في أول البقرة تحرير هذا الضابط في قوله : (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ)(١) و «هي» و «هو» ونحوها.
وقال مكيّ : كان يجب على من سكّن القاف أن يضمّ الهاء ، لأنّ هاء الكناية إذا سكّن ما قبلها ولم يكن الساكن ياء ضمّت نحو «منه» و «عنه» ، ولكن لما كان سكون القاف عارضا لم يعتدّ به ، وأبقى الهاء على كسرتها التي كانت عليها مع كسر القاف ، ولم يصلها بياء ، لأنّ الياء المحذوفة قبل الهاء مقدّرة منويّة ، (فبقي الحذف الذي في الياء قبل الهاء على أصله (٢)) (٣).
وقال الفارسيّ : الكسرة في الهاء لالتقاء الساكنين ، وليست الكسرة التي قبل الصلة ، وذلك أنّ هاء الكناية ساكنة في قراءته ، ولما أجرى «تقه» مجرى كتف ، وسكّن القاف التقى ساكنان ، ولمّا التقيا اضطر إلى تحريك أحدهما ، فإمّا أن يحرّك الأول أو الثاني ، (و) (٤) لا سبيل إلى تحريك الأول ، لأنه يعود إلى ما فرّ منه ، وهو ثقل «فعل» (٥) فحرّك ثانيهما (على غير) (٦) أصل التقاء الساكنين ، فلذلك كسر الهاء ، ويؤيده قوله :
٣٨٥٢ ـ ................ |
|
... لم يلده أبوان(٧) |
وذلك أن أصله : لم «يلده» بكسر اللام وسكون الدال للجزم ، ثم لما سكن اللام التقى ساكنان ، فلو حرك الأول لعاد إلى ما فرّ منه ، فحرك ثانيهما وهو الدال ، وحركها بالفتح وإن كان على خلاف أصل التقاء الساكنين مراعاة لفتحة الياء (٨). وقد ردّ أبو القاسم بن فيره (٩) قول الفارسي وقال : لا يصحّ قوله : إنه كسر الهاء لالتقاء الساكنين ، لأن حفصا لم يسكّن الهاء في قراءته قطّ (١٠) وقد رد أبو عبد الله (١١) شارح قصيدته (١٢) هذا الردّ ، وقال : وعجبت من نفيه الإسكان عنه مع ثبوته عنه في «أرجه» (١٣) و (فَأَلْقِهْ)(١٤) ، وإذا قرأه في «أرجه» و «فألقه» احتمل أن يكون «يتّقه» عنده قبل سكون
__________________
(١) [البقرة : ٧٤].
(٢) الكشف ٢ / ١٤٢.
(٣) ما بين القوسين في الكشف : فبقي الحذف على الياء التي بعد الهاء على أصله.
(٤) و : تكملة ليست بالمخطوط.
(٥) في ب : فعلى. وهو تحريف.
(٦) ما بين القوسين في النسختين : بأصل.
(٧) تقدم تخريجه.
(٨) انظر الحجة لأبي علي الفارسي ٦ / ٤.
(٩) تقدم.
(١٠) انظر الدر المصون ٥ / ١١٦.
(١١) في ب : أبو عبيدة. وهو تحريف. هو محمد بن حسن بن محمد بن يوسف أبو عبد الله الفاسي نزيل حلب ، إمام كبير ولد بفاس بعيد الثمانين وخمسمائة ، ثم قدم إلى مصر ، وأخذ عن علمائها في ذلك الوقت ، وانتهت إليه رئاسة الإقراء بحلب ، وشرحه للشاطبية في غاية الحسن. مات سنة ٦٥٦ ه بحلب. طبقات القراء ٢ / ١٢٢ ـ ١٢٣.
(١٢) في ب : وصيدته. وهو تحريف.
(١٣) [الأعراف : ١١١] ، [الشعراء : ٣٦].
(١٤) من قوله تعالى : «اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ»[النمل : ٢٨].