وقد صح عن أبي هريرة قال : سجدنا مع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في «اقرأ» (١)» و (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ)(٢). وأبو هريرة متأخر الإسلام. واختلفوا في سجدة ص (٣) فروي عن ابن عباس أنها سجدة شكر وهو مذهب الشافعي وعن عمر أنه يسجد فيها ، وهو قول الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق (٤).
الرابع : قوله : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) يجوز أن يكون (حَقَّ جِهادِهِ) منصوبا على المصدر ، وهو واضح. وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكون نعتا لمصدر محذوف ، أي جهادا حق جهاده(٥). وفيه نظر من حيث إن هذا معرفة فكيف يجعل صفة لنكرة.
قال الزمخشري : فإن قلت : ما وجه هذه الإضافة ، وكان القياس : حقّ الجهاد فيه أو حق جهادكم فيه كما قال (وَجاهِدُوا فِي اللهِ). قلت : الإضافة تكون بأدنى ملابسة واختصاص فلما كان الجهاد مختصا بالله من حيث إنه مفعول من أجله ولوجهه صحت إضافته إليه ، ويجوز أن يتسع في الظرف كقوله :
٣٧٧٩ ـ ويوم شهدناه سليما وعامرا (٦)
يعني بالظرف الجار والمجرور كأنه كان الأصل : حق (٧) جهاد فيه. فحذف حرف الجر وأضيف المصدر للضمير ، وهو من باب هو حقّ عالم وجد ، أي : عالم حقا وعالم جدا (٨).
فصل
المعنى (٩) : (جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) «أعداء الله حق جهاده» هو استفراغ الطاقة فيه.
قاله ابن عباس ، وعنه قال : لا تخافون لومة لائم. وقال الضحاك ومقاتل : اعملوا لله حق عمله واعبدوه حق عبادته. وقال مقاتل بن سليمان (١٠) : نسخها قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(١١)(١٢) وهذا بعيد لأن التكليف شرطه القدرة لقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً
__________________
(١) عند قوله تعالى : «كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ» [العلق : ١٩].
(٢) [الانشقاق : ١]. أي عند قوله تعالى : «وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ» [الانشقاق : ٢١].
والحديث أخرجه ابن ماجه (إقامة) ١ / ٣٣٦.
(٣) عند قوله تعالى : فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ [ص : ٢٤].
(٤) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٦١٤.
(٥) التبيان ٢ / ٩٤٩.
(٦) الكشاف ٣ / ٤١. صدر بيت من بحر الطويل لرجل من بني عامر ، وعجزه :
قليل سوى الطّعن النّهال نوافله
(٧) في ب : نحو. وهو تحريف.
(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٣٩١.
(٩) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٥ / ٦١٥.
(١٠) هو مقاتل بن سليمان الأزدي ، أبو الحسن الخراساني ، المفسر ، أخذ عن الضحاك ، ومجاهد ، وأخذ عنه ابن عيينة ، وعلي بن الجعد مات سنة ١٥٠ ه. تهذيب التهذيب ١٠ / ٢٧٩ ـ ٢٨٥.
(١١) [التغابن : ١٦].
(١٢) آخر ما نقله هنا عن البغوي ٥ / ٦١٥.