ههنا (١) يعني أنه في المعنى يؤول إلى ذلك ولا يؤول إليه البتة (٢).
الثالث : أنها للتبعيض (٣). وقد غلّط ابن عطية القائل بكونها للتبعيض فقال : ومن قال إن «من» للتبعيض قلب معنى الآية فأفسده (٤). وقد يمكن التبعيض فيها بأن معنى الرجس (٥) عبادة الأوثان ، وبه قال ابن عباس وابن جريج فكأنه (٦) قال : فاجتنبوا من الأوثان الرجس وهو العبادة لأن المحرم من الأوثان إنما هو العبادة ، ألا ترى أنه قد يتصور استعمال الوثن في بناء وغيره مما لم يحرم الشرع (٧) استعماله ، فللوثن جهات منها عبادتها وهي بعض جهاتها. قاله أبو حيان (٨). والأوثان جمع وثن ، والوثن يطلق على ما صوّر من نحاس وحديد وخشب (٩) ويطلق أيضا على الصليب ، قال عليهالسلام (١٠) لعدي بن حاتم وقد رأى في عنقه صليبا : «ألق هذا الوثن عنك» (١١). وقال الأعشى :
٣٧٦٣ ـ يطوف العفاة بأبوابه |
|
كطوف النّصارى ببيت الوثن (١٢) |
واشتقاقه من وثن الشيء ، أي أقام بمكانه وثبت فهو واثن ، وأنشد لرؤبة :
٣٧٦٤ ـ على أخلّاء الصّفاء الوثّن (١٣)
أي : المقيمين على العهد ، وقد تقدم الفرق بين الوثن والصّنم (١٤).
فصل
قال المفسرون : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) أي ؛ عبادتها ، أي : كونوا على جانب منها فإنها رجس ، أي سبب الرجس وهو العذاب ، والرجس بمعنى الرجز (١٥).
__________________
(١) التبيان ٣ / ٩٤١.
(٢) الدر المصون ٥ / ٧٣.
(٣) والقائل بأنها للتبعيض الأخفش فإنه قال في معاني القرآن : (وقال : «فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ» وكلها رجس ، والمعنى : فاجتنبوا الرجس الذي يكون منها ، أي عبادتها) ٢ / ٦٣٧.
(٤) تفسير ابن عطية ١٠ / ٢٧٣.
(٥) في الأصل : بالرجس. وهو تحريف.
(٦) في الأصل : كأنه.
(٧) في ب : السرع. وهو تحريف.
(٨) البحر المحيط ٦ / ٣٦٦.
(٩) اللسان (وثن).
(١٠) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١١) أخرجه الترمذي (تفسير) ٥ / ٢٧٨ ، وانظر النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ٥ / ١٥١.
(١٢) البيت من بحر المتقارب ، قاله الأعشى ، وهو في ديوانه (٢٠٩) واللسان (وثن) ، والبحر المحيط ٦ / ٢٤٧. العفاة : السائلون. والشاهد فيه أنه أراد بالوثن الصليب.
(١٣) وجز لرؤبة وهو في ديوانه (١٦٣) ، اللسان (وثن) ، البحر المحيط ٦ / ٣٤٧. أخلاء : جمع خليل ، وهو المحب الدي ليس في محبته خلل.
الصفاء : ضد الكدر ، وهو مصدر الشيء الصافي.
الوثّن : المقيمون على العهد. وهو موطن الشاهد هنا.
(١٤) عند قوله تعالى :«وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً» [الأنعام : ٧٤].
(١٥) انظر البغوي ٥ / ٥٨٠. وفي اللسان (رجس) : والرجس : العذاب كالرجز. التهذيب : وأما الرجز فالعذاب والعمل الذي يؤدي إلى العذاب. والرجس في القرآن : العذاب كالرجز.