قوله : «فلا أنساب» الأنساب جمع نسب ، وهو القرابة من جهة الولادة ، ويعبّر به عن التواصل ، وهو في الأصل مصدر قال :
٣٨١١ ـ لا نسب اليوم ولا خلّة |
|
اتسع الخرق على الرّاقع (١) |
قوله : «بينهم» يجوز تعلقه بنفس «أنساب» ، وكذلك «يومئذ» ، أي : فلا قربة بينهم في ذلك اليوم (٢). ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنّه صفة (٣) ل «أنساب» ، والتنوين في «يومئذ» عوض عن (٤) جملة تقديره : يومئذ نفخ في الصور.
فصل
من المعلوم (٥) أنّه تعالى إذا أعادهم فالأنساب ثابتة ، لأنّ المعاد هو الولد والوالد ، فلا يجوز أن يكون المراد نفي النسب حقيقة بل المراد نفي حكمه وذلك من وجوه :
أحدها : أنّ من حق النسب أن يقع به التعاطف والتراحم كما يقال في الدنيا : أسألك بالله والرحم أن تفعل كذا ، فنفى سبحانه ذلك من حيث أنّ كل أحد من أهل النار يكون مشغولا بنفسه ، وذلك يمنعه من الالتفات إلى النسب كما أنّ الإنسان في الدنيا إذا كان في آلام عظيمة ينسى ولده ووالده.
وثانيها : أنّ من حق النسب أن يحصل به التفاخر في الدنيا ، وأن يسأل البعض عن أحوال البعض ، وفي الآخرة لا يتفرغون لذلك.
وثالثها : أنّ ذلك عبارة عن الخوف الشديد ، فكل امرىء مشغول بنفسه عن نسبه وأخيه وفصيلته التي تؤويه. قال ابن مسعود : يؤخذ العبد والأمة يوم القيامة على رؤوس الخلائق ينادي مناد ألا إنّ هذا فلان فمن له عليه حق فليأت إلى حقه ، فيفرح المرء يومئذ
__________________
ـ بضم الفاء مثل صورة وصور وقياس جمع (فعلة) بكسر الفاء على (فعل) بكسر الفاء مثل لحية ولحى إلّا أنه قد ينوب (فعل) بضم الفاء عن (فعل) بكسر الفاء مثل لحية ولحى و (فعل) بكسر الفاء عن (فعل) بضم الفاء مثل صورة وصور. شرح الأشموني ٤ / ١٤٠ ـ ١٣٢.
(١) البيت من بحر السريع ، قاله أنس بن العباس ، وقيل : أبو عامر جد العباس وهو في الكتاب ٢ / ٢٨٥ ، ابن يعيش ٢ / ١٠١ ، ١١٣ ، ٩ / ١٣٨ ، اللسان (قمر) ، شذور الذهب ٨٧ ، المغني ١ / ٢٢٦ ، ٢ / ٦٠٠ ، المقاصد النحوية ٢ / ٣٥١ ، ٤ / ٦٧ ، شرح التصريح ١ / ٢٤١ ، الهمع ٢ / ١٤٤ ، ٢١١ ، شرح الأشموني ٢ / ٩ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٦٠١ ، ٩٢٤ ، وروي : اتسع الفتق على الراتق. الراتق : الذي يلحم الفتق. يقول : إنّه لا ينفع فيما جرى بيننا من أسباب القطيعة نسب ولا صداقة ، لأنّ الخطب قد تفاقم حتى صعب رتقه. النسب : نسب القرابات ، وهو واحد الأنساب ، وهو في الآباء خاصة. وهو مصدر نسب ينسب وينسب نسبا. وهو محل الشاهد هنا.
(٢) ذكر أبو البقاء أن العامل في «بينهم» و «يومئذ» محذوف ، ولا يجوز أن يعمل فيه «أنساب» لأنّ اسم «لا» إذا بني لم يعمل ، التبيان ٢ / ٩٦٠.
(٣) في الأصل : ضفة. وهو تحريف.
(٤) في الأصل : من.
(٥) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٢٢ ـ ١٢٣.