والثاني : ضمير (ما) الموصولة إن جعلناها بمعنى (الذي) ، أو على المصدر إن جعلناها مصدرية ، وحينئذ يكو ن «يسارع لهم» الخبر. فعلى الأوّل يحتاج إلى تقدير عائد أي : يسارع الله لهم به أو فيه وعلى الثاني لا يحتاج إذ الفاعل ضمير (ما) الموصولة (١).
وعن (ابن) (٢) أبي بكرة المتقدم أيضا «يسارع» بالياء مبنيا للمفعول (٣) و (فِي الْخَيْراتِ) هو القائم مقام الفاعل ، والجملة خبر (أنّ) والعائد محذوف على ما تقدّم (٤).
وقرأ الحسن : «نسرع» بالنون (٥) من أسرع ، وهي ك «نسارع» فيما تقدم. و (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) إضراب عن الحسبان المستفهم عنه استفهام تقريع ، وهو إضراب انتقال (٦) ، والمعنى : أنهم أشباه البهائم لا شعور لهم حتى يتفكروا في ذلك الإمداد ، أهو (٧) استدراج أم مسارعة في الخير (٨) روى(٩) يزيد (١٠) بن ميسرة (١١) قال : أوحى الله ـ تعالى ـ إلى نبيّ من الأنبياء : «أيفرح عبدي أن أبسط له في الدنيا وهو أبعد له منّي ، ويجزع أن أقبض عنه الدنيا وهي أقرب له منّي» ثم تلا (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ)(١٢).
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٥٧) وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (٥٨) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (٥٩) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ (٦٠) أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ)(٦١)
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) الآيات لمّا ذمّ من تقدّم (١٣) بقوله : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ) ثم (١٤) قال : (بَلْ لا يَشْعُرُونَ) ، بيّن بعده صفات من يسارع في الخيرات ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) ، والإشفاق يتضمن الخشية مع زيادة رقة وضعف. وقيل : جمع بينهما للتأكيد. ومنهم من حمل الخشية على العذاب ،
__________________
(١) انظر المحتسب ٢ / ٩٥ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٠.
(٢) ابن : تكملة من البحر المحيط.
(٣) المحتسب ٢ / ٩٤ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٦٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٠.
(٤) انظر المحتسب ٢ / ٩٥.
(٥) المحتسب ٢ / ٩٤ ، تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٦٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٠.
(٦) ذلك أن (بل) حرف إضراب ، فإن تلاها جملة كان معنى الإضراب إمّا الإبطال نحو «وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ»[الأنبياء : ٢٦]. أي : بل هم عباد. وإما الانتقال من غرض إلى آخر ، كما هنا. المغني ١ / ١١٢.
(٧) في ب : هو. وهو تحريف.
(٨) انظر الكشاف ٣ / ٥٠ ، البحر المحيط ٦ / ٤١٠.
(٩) في ب : وروى.
(١٠) في ب : زيد.
(١١) لم أقف له على ترجمة فيما رجعت إليه من مراجع.
(١٢) أخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن ميسرة قال : أجد فيما أنزل الله على موسى ... الدر المنثور ٥ / ١١.
(١٣) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٧.
(١٤) ثم : سقط من الأصل.