(وقال الجبائي : تقلب القلوب والأبصار) (١) : تغير هيئاتها بسبب ما ينالها من العذاب. قال : ويجوز أن يريد به تقليبها على جمر (٢) جهنم كقوله : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (٣) (٤).
قوله : «ليجزيهم». يجوز تعلقه ب «يسبّح» أي : يسبّحون لأجل الجزاء (٥).
ويجوز تعلقه بمحذوف ، أي : فعلوا ذلك ليجزيهم (٦). وظاهر كلام الزمخشري أنه من باب الإعمال ، فإنه قال : والمعنى : يسبّحون ويخافون (ليجزيهم» (٧)) (٨). ويكون على إعمال الثاني للحذف (٩) من الأول (١٠). وقوله : (أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) أي : ثواب أحسن (١١) ، أو أحسن جزاء ما عملوا ، و «ما» مصدرية (١٢) ، أو بمعنى الذي ، أو نكرة.
فصل
المراد بالأحسن : الحسنات أجمع ، وهي الطاعات فرضها ونفلها. قال مقاتل : إنما ذكر الأحسن لأنه لا يجازيهم على مساوىء أعمالهم ، بل يغفرها لهم.
وقيل : يجزيهم جزاء أحسن ما عملوا على الواحد عشر إلى سبعمائة (١٣). ثم قال : (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي : ما لم يستحقوه بأعمالهم. فإن قيل : هذا يدل على أن لفعل (١٤) الطاعة أثر في استحقاق الثواب ، لأنه تعالى ميز الجزاء عن الفضل ، وأنتم لا تقولون بذلك ، فإن عندكم العبد لا يستحق على ربه شيئا؟ قلنا : نحن نثبت الاستحقاق بالوعد ، فذلك (١٥) القدر هو الذي يستحق ، والزائد عليه هو الفضل (١٦). ثم قال : (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) وذلك تنبيه على كمال قدرته ، وكمال جوده ، وسعة إحسانه ، فكأنه تعالى لما وصفهم بالجد والاجتهاد في الطاعة ، وهم مع ذلك في نهاية الخوف ، فالحق سبحانه يعطيهم الثواب العظيم على طاعاتهم ويزيدهم الفضل الذي لا حد له في مقابلة خوفهم (١٧).
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من ب.
(٢) في النسختين : جسر.
(٣) [الأنعام : ١١٠].
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦.
(٥) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥١٩ ، التبيان ٢ / ٩٧١ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٩.
(٦) انظر تفسير ابن عطية ١٠ / ٥١٩ ، البحر المحيط ٦ / ٤٥٩.
(٧) الكشاف ٣ / ٧٨.
(٨) ما بين القوسين في ب : ليجزيهم الله أحسن ما عملوا.
(٩) في النسختين : المحذوف ، والصواب ما أثبته.
(١٠) هذا مذهب البصريين في أولى العاملين في التنازع وهو إعمال الثاني لقربه من العامل ، ومذهب الكوفيين إعمال الأول. انظر الإنصاف ١ / ٦٨٣.
(١١) أي على حذف مضاف. تفسير ابن عطية ١٠ / ٥١٩ ، والبحر المحيط ٦ / ٤٥٩.
(١٢) الكشاف ٣ / ٧٨.
(١٣) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦.
(١٤) في ب : الفعل.
(١٥) في ب : بذلك.
(١٦) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦.
(١٧) المرجع السابق.