أظهرهما : أنها متعلقة بمحذوف للبيان ، كهي في سقيا له ، وجدعا له. قاله الزمخشري (١).
والثاني : أنّها متعلقة ب «بعدا» قاله الحوفي (٢). وهذا مردود ، لأنه لا يحفظ حذف هذه اللام ، ووصول المصدر إلى مجروها ألبتة ، ولذلك منعوا الاشتغال في قوله : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ)(٣) لأن اللام لا تتعلق ب «تعسا» بل بمحذوف ، وإن كان الزمخشري جوّز ذلك (٤) ، وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى (٥).
فصل
(فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً) صيرناهم (٦) هلكى فيبسوا يبس الغثاء من نبات الأرض ، «فبعدا» بمنزلة اللعن الذي هو التبعيد من الخير (لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الكافرين ، ذكر هذا على وجه الاستخفاف والإهانة لهم (٧).
قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ (٤٢) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٤٣) ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ)(٤٤)
قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ) أي : أقواما آخرين. قيل : المراد قصة لوط ، وشعيب ، وأيوب ، ويوسف (٨) ـ صلوات الله عليهم أجمعين (٩) ـ ، والمعنى : أنه ما أخلى الديار من المكلفين (١٠). (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها) (من) صلة كأيّ : ما تسبق أمة أجلها وقت هلاكها (١١). وقيل : آجال حياتها وتكليفها (١٢). قال أهل السنة : هذه الآية تدل على أن المقتول ميّت بأجله ، إذ لو قتل قبل أجله لكان قد تقدّم الأجل أو تأخر ، وذلك ينافيه هذا النص (١٣).
قوله : (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) في «تترى» وجهان :
__________________
(١) انظر الكشاف ص ٣ / ٤٨.
(٢) البرهان ٦ / ١٥٠.
(٣) من قوله تعالى : «وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ» [محمد : ٨] ف «الَّذِينَ كَفَرُوا» مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره تعسوا ، أو أتعسوا ، ودل عليهما «تعسا» ودخلت الفاء تنبيها على الخبر. التبيان ٢ / ١١٦٠.
(٤) قال الزمخشري :(«وَالَّذِينَ كَفَرُوا» يحتمل الرفع على الابتداء والنصب بما يفسره «فَتَعْساً لَهُمْ» كأنه قال : أتعس الذين كفروا) الكشاف ٣ / ٤٥٤.
(٥) [محمد : ٨].
(٦) في ب : فصيرناهم.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠٠.
(٨) انظر البحر المحيط ٦ / ٤٠٧.
(٩) أجمعين : سقط من ب.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠١.
(١١) انظر القرطبي ١٢ / ١٢٥.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ١٠١.
(١٣) المرجع السابق.