جلوسا ، كأنه قال : فحيوا تحية ، وتقدم وزن «التحية» (١). و (مِنْ عِنْدِ اللهِ) يجوز أن يتعلق بنفس (تَحِيَّةً) أي : التحية صادرة من جهة الله ، و «من» لابتداء الغاية مجازا إلا أنه يعكر على الوصف تأخر الصفة الصريحة عن المؤولة ، وتقدم ما فيه (٢).
فصل
(تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي : مما (٣) أمركم الله به. قال ابن عباس : من قال : السلام عليكم ، (معناه : اسم الله عليكم (٤)(مُبارَكَةً طَيِّبَةً). قال ابن عباس) (٥) : «حسنة جميلة» (٦) وقال الضحاك : «معنى البركة فيه تضعيف الثواب» (٧)(كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) أي : يفصل الله شرائعه (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) عن الله أمره ونهيه. قال أنس : وقفت على رأس النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أصب الماء على يديه ، فرفع رأسه وقال : «ألا أعلمك ثلاث (٨) خصال تنتفع بها» (٩)؟ فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، بلى. قال : «من لقيت من أمتي فسلم عليهم يطل عمرك ، وإذا دخلت بيتا فسلم عليهم يكثر خير بيتك ، وصل الصلاة الضحى فإنها صلاة الأوابين» (١٠).
قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٢) لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦٣) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٦٤)
قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ) أي : مع رسول الله
__________________
(١) عند قوله تعالى : «وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها» [النساء : ٨٦].
(٢) الأصل في الوصف أن يتقدم الوصف الصريح ثم الظرف أو الجار والمجرور ثم الجملة ، وعلة هذا الترتيب أن الأصل الوصف بالاسم ، فالقياس تقديمه ، وإنما تقدم الظرف ونحوه على الجملة لأنه من قبيل المفرد ، وأوجبه ابن عصفور اختيارا ، وقال : لا يخالف في ذلك إلا في ضرورة أو ندور ، ورد بقوله تعالى : «فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ»[المائدة : ٥٤] ، حيث تقدم الوصف بالجملة «يحبهم» على الوصف بالصريح «أذلة». الهمع ٢ / ١٢٠ وانظر اللباب ٣ / ٢٧٠.
(٣) في ب : بما.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٨.
(٥) ما بين القوسين سقط من ب.
(٦) انظر البغوي ٦ / ١٥٠.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٣٨.
(٨) في ب : بثلاث.
(٩) بها : سقط من ب.
(١٠) انظر الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (١٢٠).