ينزل ، ولا يجوز أن يعطفا على «فيكون» المنصوب في الجواب ؛ لأنهما مندرجان في التحضيض في حكم الواقع بعد «لو لا» ، وليس المعنى على أنهما جواب للتحضيض ، فيعطفا على جوابه (١). وقرأ الأعمش وقتادة «أو يكون له» بالياء من تحت (٢) ؛ لأن تأنيث الجنة مجازي (٣).
قوله : «يأكل منها» الجملة في موضع الرفع صفة ل «جنّة». وقرأ الأخوان (٤) «نأكل» بنون الجمع ، والباقون بالياء من تحت أي : الرسول (٥).
قوله : «وقال الظّالمون» وضع الظاهر موضع المضمر ؛ إذ الأصل «وقالوا».
قال الزمخشري : وأراد بالظالمين إياهم بأعيانهم (٦).
قال أبو حيان : وقوله ليس تركيبا سائغا بل التركيب العربي أن يقول أرادهم (٧) بأعيانهم (٨).
فصل
وهذه الشبهة التي ذكروها في نهاية الرذالة ، فقالوا : «مال هذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق» يلتمس المعاش كما نلتمس فمن أين له الفضل علينا؟ وكيف يمتاز عنّا بالنبوة ، وهو مثلنا في هذه الأمور.
وقالوا : (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ) هلّا أنزل إليه ملك (فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) يصدقه ويشهد له ، ويرد على من خالفه. «أو يلقى إليه كنز» من السماء ، فينفعه ولا يحتاج إلى تردد لطلب المعاش ، وكانوا يقولون له : لست أنت بملك ، لأنك تأكل والملك لا يأكل ، ولست بملك ؛ لأن الملك لا يتسوق ، وأنت تتسوق وتتبذل. وما قالوه فاسد (٩) ؛ لأن أكله الطعام لكونه آدميا ، ومشيه في الأسواق لتواضعه ، وكان ذلك صفة له. وقالوا : (أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) ، والمعنى : إن لم يكن له كنز فلا أقلّ أن يكون كواحد من الدهاقين (١٠) ، فيكون له بستان يأكل منه (١١)(وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) مخدوعا ، وقيل : مصروفا عن الحق. وتقدمت هذه القصة في آخر بني إسرائيل (١٢). ثم أجابهم الله تعالى عن هذه الشبهة بقوله : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ)
__________________
(١) انظر الكشاف ٣ / ٨٩ ، البيان ٢ / ٢٠٢ ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٣.
(٢) انظر المختصر (١٠٤) ، البحر المحيط ٦ / ٤٨٣.
(٣) في ب : مجاز.
(٤) حمزة والكسائي.
(٥) السبعة (٤٦٢) ، الحجة لابن خالويه (٢٦٤) ، الكشف ٢ / ١٤٤ ، النشر ٢ / ٣٣٣ ، الإتحاف (٣٢٧).
(٦) الكشاف ٣ / ٨٩.
(٧) في ب : أراهم. وهو تحريف.
(٨) البحر المحيط ٦ / ٤٨٣.
(٩) في ب : كاسد. وهو تحريف.
(١٠) الدهاقين : جمع دهقان أو دهقان : التاجر ، فارسي معرب. اللسان (دهق).
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٥٢.
(١٢) وهي سورة الإسراء ، انظر اللباب ٥ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦.